الثلاثاء، 4 أبريل 2017

حدود القوة البحرية البريطانية (الحلقة السابعة):


السفينة التجارية "الأخوات الثلاث"، قراصنة الريف
والسفن الحربية البريطانية (7):
تأليف: أندرو لامبرت
ترجمة: فريد المساوي


نهاية بعثة نابيير:      

      أعطى نابيير الإشارة في تاسع أبريل بعد وصوله إلى سبيتهيد spithead، أن سربه كان قد تفكك، متطلبات الاقتصاد وما يمليه المنطق السليم أغلقا فصلا من تاريخ القرصنة الريفية، الفرصة الوحيدة التي كانت فيها للقوات البحرية الملكية البريطانية في المنطقة قوة قادرة على معاقبة القراصنة، حرموا خلالها من الحصول على فرصة للتصرف، لقد أصبحت بريطانيا تفضل إيجاد حل دبلوماسي أو تجاري لمشكل القرصنة، وكانت نتائج ومخاطر اللجوء إلى هذه البدائل وخيمة جدا. مبررات هذه السياسة الجبانة ا تكمن في الساحل الريفي وليس حتى في الحكومة المغربية، كما أكد ذلك نابيير وباركر، إن معاقبة الريفيين تتطلب قوة برمائية كبيرة، على الأقل ألف جندي وستة أو ثمانية من السفن البخارية الحربية الكبيرة، كما أن العملية كانت تتطلب وقتا، وفي الظروف الراهنة فإن بريطانيا ببساطة لم يكن لديها الوقت أو السفن للقيام بالمهمة. المشهد الدولي أصبح معقدا وغير مستقر، لم يكن أحد يعلم كيف تصبح فرنسا في مرحلة ما بعد أورليان، أو إيطاليا ما بعد الثورة، في حين أن الضغط الروسي المتزايد على تركيا وجه التركيز إلى الشرق أكثر من أي وقت مضى، هذه العوامل أوضحت لماذا أرسل نابيير لمعالجة قضية أخرى في محطة السيد باركر، فبعيدا عن البحر الأبيض المتوسط واجهت بريطانيا العديد من المشاكل، هدد صراع شليسفيغ هولشتاين سنة 1848-1850 مصلحة حيوية أخرى لبريطانيا ألا و هي الحصول على البلطيق، بالمرستون هدد بإرسال سرب نابيير لرفع الحصار الدنماركي على الساحل الألماني.  إضافة إلى ذلك فإن الوضع الاقتصادي المتردي لبريطانيا أجبر الوزراء على خفض عدد رجال القوات البحرية إلى ثلاثة آلاف رجل وتعطيل سفن سرب نابيير بتخصيصها لمباشرة مثل هذه المشاكل، وعلى هذا النطاق الصغير. وكانت القرصنة تعتبر حقا أولوية، خاصة وأن المغرب قد سبق أن فسح الطريق في قضية التجارة، وتراجع التهديد الفرنسي مع سقوط أسرة أورليان.
      كانت سياسة بالمرستون على المدى الطويل ترمي إلى تعزيز سلطة الحكومة المغربية، وجعل السلطان يفرض النظام في الريف، والحفاظ على استقلالية بلده، ثم أخيرا الدخول الرسمي لبريطانيا معه في علاقات في المجال التجاري والمالي.
     حين كانت الإمبراطورية(1) عنصرا مهما في الاقتصاد البريطاني خلال القرن التاسع عشر، لم تستطع هذه الأخيرة الهيمنة أبدا، فقد استأثرت الإمبراطورية بما يقارب 25 في المائة من احتياجات السوق البريطانية في مختلف القطاعات. لقد كان القطاع الأكثر دينامكية في الاقتصاد البريطاني هو تصدير الأموال، بحلول عام 1890 تم تصدير ما يقارب مائة مليون جنيه إسترليني، أكثر هذا المبلغ تم استثماره خارج الإمبراطورية، وقد ارتبط هذا القطاع ارتباطا وثيقا بالخدمات المالية، ونظام الدعم التجاري لمدينة لندن. لقد أدى تفوق مدينة لندن في مجال التمويل العالمي إلى هيمنة بريطانيا في مجال الملاحة والشحن وما يرتبط بهما من خدمات، وقد انضم المغرب إلى هذا النظام في خمسينيات القرن التاسع عشر، لقد عرفنا الدليل على قيمة المغرب التجارية من خلال عرض قدم له بأن يخصص له فضاء في المعرض الكبير لسنة 1851، وقد رفض السلطان العرض آنذاك بأدب ولباقة، ومع ذلك، ففي غضون ثلاث سنوات، ومع التغييرات التي أحدثها المغرب في مجال الرسوم الجمركية، ومع محاولات السلطان التغلب على التعويضات المفروضة من طرف فرنسا سنة 1844، وكذا طموحات وزراءه ووكلائه إلى الثراء الشخصي، كل هذا أدى إلى المزيد من الشكاوي الواردة من التجار البريطانيين في جبل طارق، إن الواردات البريطانية انخفضت إلى النصف بسبب التغييرات الجمركية المغربية، من 300,000 جنيه عام 1848 إلى 145,000 عام 1850. ورغم الصلح المنعقد سنة 1850 فقد ظل المغرب على خرق المعاهدة بين الطرفين، في غشت 1853 رفض وزير الخارجية السيد جون راسل(2) قبول السفارة المغربية إلى أن يتم حل المشكلة، كان تهديد راسل الضمني هو الانسحاب وترك المغرب عرضة للأطماع الاستعمارية الفرنسية والإسبانية.
      موازاة مع الخلفية الداعمة ـ قوة بحرية هائلة كامنة في الأفق القريب ـ وضع جون دراموند هاي مشروعا لمعاهدة تجارية، في عام 1854، تم إدخال تعديلات جديدة على الرسوم الجمركية بما يرضي بريطانيا وفي المقابل حصل المغرب على اطمئنان إلى حد بعيد لحسن نوايا بريطانيا.
     عندما اندلعت حرب القرم سنة 1854، منع السلطان اقتراب السفن الحربية الروسية، بتحريض القراصنة عليها، وإعلان مكافئات لمن يظفر بها في الموانئ المغربية، ووافق على توريد ألف ثور إضافية برسوم تصدير منخفضة لتموين القوات البريطانية التي تمر من جبل طارق، ولم يجدد هذا الامتياز للجزائر الفرنسية. كان المغرب أيضا حلقة وصل مهمة في التجارة البريطانية مع إفريقيا جنوب الصحراء، رغم أن ذلك الدور كان في تراجع. على أي، فقد أعاق التجارة البريطانية علو قيمة الرسوم المفروضة محليا على البضائع الأساسية التي كانت تخرج من المغرب كالشمع مثلا، كما تم التغلب على العقبات بفضل الاعتماد على الوسطاء اليهود منذ أن عرفت وضعية اليهود المغاربة تحسنا مهما. وبعد تأخيرات طويلة، فإن اتفاقية جون دراموند هاي، وبعد تعديلات إيجابية، وقعت في 9 دجنبر 1856. تخلى المغرب عن الاحتكار والحواجز على الواردات، وشرع نسبة ثابتة وكحد أقصى على الصادرات هي 10 في المائة، هذه الشروط وفرت الكثير من الاستقرار والأمن للتجار والرأسماليين البريطانيين، بهذه الطريقة انضم المغرب بشكل غير رسمي إلى الإمبراطورية التجارية البريطانية، وبعد أشهر فقط صادر قراصنة الريف آخر سفينة بريطانية تم استهدافها.
يتبع...
الهوامش:
1 ـ يقصد هنا الإمبراطورية التجارية و ليس السياسية أي كل المناطق التي احتكرت بريطانيا الاتجار معها عن طريق المعاهدات أو غيرها.

2 ـ اللورد جون راسل سياسي بريطاني ولد سنة 1792، شغل منصب رئيس الوزراء مرتين، و يقال أن إنجازاته كانت محدودة وأنه تميز بضعف القيادة، و لكنه ساهم في العديد من الإصلاحات التشريعية الإيجابية، كما شغل منصب رئيس مجلس العموم، و فيما بعد وزير الداخلية ووزير الخارجية.

ليست هناك تعليقات: