حدود القوة البحرية البريطانية،
السفينة التجارية "الأخوات الثلاث"، قراصنة
الريف
والسفن الحربية البريطانية (6):
تأليف: أندرو لامبرت
ترجمة: فريد المساوي
خياري كل من نابيير وجون دراموند هاي:
كانت الأميرالية متفائلة: "أنت اتخذت القرار السليم
في الامتناع عن القيام بأي عمل عدواني على الساحل الريفي"، كما وافق على ذلك
السيد بالمرستون: "لقد تصرفت في هذه المسألة وفق قراراتك الجيدة المعتادة".
ولكن في اليوم التالي انتقد مجلس الأميرالية قراره انتظار الريح الشرقية بدلا من
استخدام السفن البخارية وسحب الأسطول في اتجاه المحيط الأطلسي، كما عبروا عن قلقهم
ورغبتهم في عودة الأسطول إلى حال سبيله، كما اعترف دونداس: "ومن المطلوب جدا
أنه ينبغي لنا إعادة جميع السفن قبل 31 مارس وإلا فإننا سوف نكون مزعجين كثيرا بقراراتنا
المكلفة، وكذلك سيكون علينا الاقتصار على أربعين ألفا من الرجال ابتداء من ذلك
اليوم". وبعد تقييم الاحتمالات، أعاد
نابيير السرب رغم أن استعماله له وافق مقتضيات مفاوضات ريدمان، كانت الأميرالية
يائسة من التمكن من إعادة البوارج قبل نهاية مارس وإرسال السفن الصغيرة لتعويضها
مؤقتا في المحطات الخارجية. قبيل مغادرته ناقش نابيير العمليات المستقبلية مع
السيد جون دراموند هاي، مع التوصية على أن تكثر بوليفيموس من زياراتها التفقدية
للساحل الريفي ويمكن استبدالها بأية باخرة
حديدية قوية أخرى.
كان لا يزال
ينتظر رياحا شرقية ليغادر جبل طارق عندما أرسل حاكم مليلية برقية في وقت متأخر يوم 26 فبراير جاء فيها أن
قبائل الريف قبلت أن تدفع تعويضا عن سفينة "الأخوات الثلاث". مرة أخرى
تبين أن حضور قوة كبيرة سرع العملية الدبلوماسية، نابيير لا يثق كثيرا في مثل هذه
العروض، لكن بدا واضحا أن الريفيين جد قلقين، ولهذا قرر مناقشة المسألة مع السيد
هاي في طنجة. لقد عرض الريفيون دفع تعويض قدره عشرون ألف دولار أمريكي عن طريق حاكم
مليلية، إذا وافق السلطان، ولهذا طلب نابيير من جون دراموند هاي الحصول على موافقة
السلطان، لكنه رفض بدعوى أنه ليست له صلاحية ذلك، كما أضاف أن اشتراطهم موافقة
السلطان لم تكن سوى مسألة يهدفون منها إلى ربح الوقت، كان لنابيير رأي آخر لكنه
اضطر لمغادرة البحر المتوسط تاركا مسألة الريف لجون دراموند هاي.
لم يكن هذا
ما يريد هاي سماعه، إنه كان يريد بقاء أسطول نابيير في جبل طارق ليوفر له النفوذ والهيمنة
على السلطة المغربية، وفجأة أشاع معلومات جديدة عن القراصنة مفادها أن محافظ المنطقة أخبره بتفاصيل عن
أسطول القوارب المحلية، وعن مكان إخفاء الريفيين لآلياتهم، هذه المرة كان دور
نابيير للاختبار، فقد خشي أن يكون هذا التواصل قد صمم لاستدراجه إلى فخ، لا يمكنه
البقاء دون التفكير في الأمر بذكاء وواقعية، كان رد جون دراموند هاي هو الاحتجاج
بالاشتباك الذي وقع بين باخرة اسبانية وبعض القوارب الريفية قرب الجزر الجعفرية،
حيث قتل إحدى عشر من القراصنة الريفيين، وأضاف أن الريفيين كانوا دائما يبدون
الرغبة في حفظ السلام، ولكنهم لم يوفوا أبدا بوعودهم، بويفار هم المسؤولون عن هذه
الأعمال، وهم يملكون ما بين خمسة عشر إلى عشرين قاربا في وادي كرت (رأس بركات)(1)،
والساحل كله يملك ما بين ثمانين و مائة قارب، أنهى هاي كلامه بإيجاز و عن طريق إبداء
هذه الملاحظة: "لقد قلت المحاصيل هذه السنة بسبب قلة الماء" (2).
أكد نابيير
في تقريره الرسمي أنه كانت له الثقة أكثر من جون دراموند هاي بأن الريفيين يريدون
دفع التعويض حقا، وكان يقصد أن القنصل، يهدف إلى التحكم في المفاوضات وتحسين العمل
الدبلوماسي أكثر من العمل من أجل الدفع بالتجارة البريطانية، النقطة التي اشتغل
عليها السيد روبرت ويلسون(3) خلال الشهر السابق. إذا كان السيد جون دراموند هاي
يثق في سلطان المغرب، فإن نابيير لا يثق فيه، كان يعلم أن الحاكم والقنصل المغربي
في جبل طارق متفقين على صفقة شراء كمية كبيرة من بارود البنادق مؤخرا، و"ربما
يريدون أن يزجوا بي في فخ"، لقد استندت وجهة نظره على مصدر استخباراتي جديد،
مهرب من جبل طارق كان معتقلا لدى القراصنة. أنهى نابيير علاقات العمل المرتبطة
بهذه القضية التي تزداد توترا، بإعلانه لجون دراموند هاي أنه لن يقدم أية إشارة
حول أية خيارات مستقبلية بشأن مسألة الريف، قائلا له: "كما كنت أنت ترفض
التدخل". في اليوم التالي أي 16 مارس 1849 غادر نابيير جبل طارق متوجا إلى
بريطانيا، لأن "السيد هاي لا يرى أنه من المناسب فتح اتصال مع السلطان، ولذلك
فبقائي أكثر لن يكون مجديا، ولن أستمر أكثر في لعب دور سفير"، ولكن لم يكن
هذا تهديد بالتجميد، فنابيير سبق أن وقف على مشكل دبلوماسي أكثر أهمية، الأزمة
السورية في عام 1840 بما يرضي صديقه بالمرستون، لقد فهم نابيير الربط بين القوة والإكراه
والدبلوماسية بالنسبة لأي كان، وأنه مع المزيد من الوقت والطقس المناسب سيستطيع
إحداث تغيير في هذه القضية، بالنسبة للأحوال آنذاك فقد كانت هناك ضغوط اقتصادية، وكانت
الظروف المناخية سيئة، وقد أقنع تقرير نابيير السيد بالمرستون أنه "إذا كانت
المفاوضات ستفشل المناورات فسيكون من الأحسن تأجيلها إلى حين تمكننا من القيام بكل
ما هو مفيد وضروري"، في اليوم نفسه حولت الأميرالية تلك الأفكار إلى أوامر:
"أنا أطلعك على أن سادة بلدي يوافقون على الخطوات التي قررت، لكن هذا حتى تمر
بضعة أشهر قبل أن يتم اتخاذ أية إجراءات انتقامية، إنهم يريدونك ألا تتأخر عودتك
إلى إنجلترا، وإلى أن تكون هناك ضرورة لإيقاف فوري للمفاوضات".
بعد
التفكير، دعم بالمرستون قرار جون دراموند هاي بعدم السعي إلى قبول الحكومة
وتأييدها عرض الريفيين دفع التعويضات، كان يرى هناك خيارين، إما تحميل السلطان
المسؤولية وإلزامه بدفع التعويضات، أو معاقبة الريفيين دون الالتفات إلى السلطان،
وفي ظل الظروف الراهنة فإن الخيار الأول لا يبدو أنه المناسب.
يتبع...
الهوامش:
1 ـ هكذا جاءت في النص الأصلي وربما يقصد رأس هرك.
2 ـ إما
كان يقصد بهذا الكلام أن الريفيين لن يستطيعوا الصمود والمواجهة في حالة
مهاجمتهم، أو أن الجفاف سيحفز الريفيين على المزيد من الأعمال القرصنية، وفي كلتا
الحالتين فإن قصده هو أنه ينبغي للقوات البريطانية البقاء أكثر بالقرب من المغرب
(المترجم).
3 ـ روبرت توماس ويلسون سياسي بريطاني عاش ما بين 1777 و1842، اشتغل
بالكثير من البلدان المنضوية تحت نفوذ الإمبراطورية البريطانية، كما دخل البرلمان
كعضو لبرالي عن مقاطعة سوثورك من 1818 إلى 1831، وشغل منصب حاكم جبل طارق من 1842
حتى وفاته سنة 1849.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق