السفينة
التجارية "الأخوات الثلاث"، قراصنة الريف
والسفن
الحربية البريطانية (5):
تأليف:
أندرو لامبرت
ترجمة:
فريد المساوي
حملة
نابيير وقراصنة الريف:
بعد حل المشكلة الأساسية، أي التنافس
التجاري، رأى السيد نابيير أنه، رغم أن عودته إلى البورتسموث Portsmouth أصبحت وشيكة، فإن بإمكانه
التركيز على المشكلة الثانية، أي قرصنة الريفيين، و قد كانت مشكلة معقدة، حيث أن
قراصنة الريف كثيرون، و مسلحون تسليحا جيدا، ويتميزون بالدهاء. حتى مع خبرته
الواسعة في الحروب الشاطئية و العمليات البحرية، فإنه رأى أن حظه في النجاح كان
ضئيلا. و اتفق مع السيد باركر على أن العملية تتطلب قوة كبيرة من البواخر والعسكر،
وتمنى لو يمده الحاكم الجديد السيد روبرت غاردنر بمجموعة إضافية من المحاربين.
إضافة إلى ذلك فقد كان الطقس سيئا جدا ومتقلبا، ولا يساعده على القيام بعمليات
ساحلية فعالة، حتى المراسلات الأخيرة من الأميرالية لم يجد فيها ما يشجعه و يرفع
من معنوياته، "إنهم يترقبون أن أذهب إلى ماديرا، والسيد دونداس قال: إننا
سنكون في إنجلترا في أبريل"، ولم يشيروا و لو بكلمة إلى السيد ريدمان أو إلى
الريفيين، و لهذا فقد أولى الاهتمام لمسألة الحصول على تأييد من وزارة الخارجية، وإن
السيد بالمرستون كان سعيدا بأن يؤكد له: "لقد اتخذت في هذه المسألة القرار
الجيد و المناسب".
كل شيء يتوقف على الطقس، وما دام كان في
انتظار رياح غربية خفيفة لتنفيذ عملياته على ساحل القراصنة، فقد ركب مساء السابع
عشر من فبراير عام 1849 هو وخمسمائة جندي من الفوج 34 في صيدون، الفرقاطة ذات
العجلة المجدفة المصممة خصيصا للحروب الساحلية، وجعل مشاة البحرية الملكية من
البارجة سان فنسنت saint venecent في الطليعة، وجهز تجهيزا جيدا البخاريات سترومبولي Stromboli، غلادياتور gladiator، وبوليفيموسpolyphemus
، إضافة إلى
البخاريتان الحديديتان رينارد renard وبلومبرplomber ، وبتجهيز لوائه في صيدونSidon ، قاد نابيير سربه على الساعة
الثامنة من ذاك المساء و انطلق قاصدا رأس المذاري الثلاث. ذهب السيد نابيير يحدوه الأمل و ليست لديه أية توقعات،
و لكنه على استعداد للتصرف في حالة ما إذا تبينت له أية فرصة لمهاجمة القراصنة،
وصل السرب إلى رأس المذاري الثلاث على الساعة الثانية بعد زوال اليوم التالي، ولكنه
لم يجد أي شيء ليهاجمه: "إن الطريقة الوحيدة التي أراها مناسبة لمعاقبة هؤلاء
الناس، هي النزول إلى البر في مواسم جني محاصيل الذرة وإشعال النيران فيها والاستيلاء
على الماشية إن تم العثور عليها (حتى أكواخهم البسيطة لا تستحق أن تقصف)، ثم
إعلامهم بسبب فعل ذلك بهم ... عندما ذهبت إلى بلاد الريف توقعت أن أجد شيئا ملموسا
لأهاجمه، أ يعقل أن يكونوا قد علموا أننا قادمون من جبل طارق فأبعدوا قواربهم إلى
البر؟ أنا لا أعرف بالضبط، وأين توجد مدنهم، أو حتى قراهم الكبيرة؟ هذا ما لا
أعرفه أيضا، ولكننا نفترض أنها توجد أبعد قليلا داخل اليابسة".
في
الواقع، لقد نصحه أحدهم بالنزول إلى البر و إقامة معسكر هناك، و لكن نابيير كان
خبيرا بعادات سكان الجبال من خلال تجربته في لبنان، ولم يكن ليتقبل أية مجازفة من
هذا النوع، لقد كان واعيا جدا بمسؤوليته عن سلامة رجاله، و السفن التي تحت قيادته،
وكذا سمعة بلاده، كانت للسيد نابيير الشجاعة الأخلاقية لمقاومة الإغراءات التي قد
تسبب له المخاطر، رغم التجهيز الجيد للقوات البريطانية فإنها لم تقف على فرصة
للسيطرة على الريفيين في هذه التضاريس الوعرة، كان من الأفضل أن لا يعرض نفسه لخطر
الهزيمة، فالعواقب السياسية والأخلاقية لذلك ستكون لها نتائج محرجة للغاية.
يتبع...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق