السفينة
التجارية "الأخوات الثلاث"، قراصنة الريف
والسفن
الحربية البريطانية (4):
تأليف:
أندرو لامبرت
ترجمة:
فريد المساوي
حملة نابيير لحل مشاكل التجارة:
كان وزير
الخارجية، اللورد بالمرستون حريصا على تلقين الريفيين درسا، واستغل كون الأميرالية
قد أمرت سرب الجنوب بالبحرية الملكية بتعزيز أسطول البحر المتوسط، وكرد فعل على
التعزيزات الفرنسية، فإن بالمرستون، الذي كان قد وجه اللورد أوكلاند، اللورد الأول
للأميرالية، لنشر السرب لدعم مطالبه في قضية الشركة التجارية البريطانية الإخوان
ريدمان(1)، والآن مؤخرا أضاف مسألة القرصنة إلى برنامج البعثة. حادثة
"الأخوات الثلاث" لم تؤدي إلا إلى تعقيد الوضع، فمشاكل التجارة يمكن
حلها بضرب حصار على الموانئ الكبرى مثل موغادور (الصويرة الحديثة) على ساحل المحيط
الأطلسي، وكذلك طنجة، أما قرصنة الريف فيلزمها تحرك محلي.
كان
للأميرالية فهم جيد لهذا الساحل، وأوكلاند لم يكن متحمسا لشن عمليات هجومية،
"إن موسم هذا العام ليس مناسبا للهجوم على موغادور، وساحل الريف نادرا ما
يكون تحت حكم الإمبراطور ـ السلطان ـ، والعمليات هناك من المحتمل أن تكون خطيرة
ودون فائدة، ولكن يمكن القيام بعمليات بالزوارق الخفيفة بهدف الإثبات للبرابرة، أن
سواحلهم قابلة للغزو وإنزال العقاب"، كما أبلغ السيد أوكلاند قائد السرب
الغربي، نائب الأميرال السيد تشارلز نابيير(2): "أولا يجب أن تسعى إلى اكتساح
الساحل بالمراكب الخفيفة من تطوان إلى مليلية و تدمر جميع القوارب التي تصادفها، و
أخشى مع ذلك، و بالنظر إلى طبيعة هذا الساحل، أن تكون العملية صعبة و خطيرة و
مكلفة جدا، ثانيا يمكن أن تحاول ضرب حصار على موانئ الساحل الغربي، و لكن أخشى في
هذا الموسم من السنة أنه من المستحيل القيام بالعملية بشكل فعال، ثالثا قد تفتت
طنجة أو موغادور إلى قطع، لكن من شأن هذا أن يكون عنيفا جدا، ومما لا ينبغي التفكير فيه كقضية ذات أولوية.
كان
أوكلاند يفضل ممارسة الضغط من خلال إرسال قوة كبيرة إلى موغادور، لكن هذا لم يكن
من شأنه أن يحل قضية الريف، لقد كانت أوامر المسؤول غريبة و غامضة، فقد سمحت
لنابير أن يؤدب القراصنة، إن كان يعتقد أن ذلك ممكنا و الوسائل الموضوعة تحت تصرفه
كافية، لقد قيدت سلطاته التقديرية بعناية محكومة بالضرورات السياسية الظرفية لتجنب
الحرب و عدم ترك أية فرصة لقوى أخرى لتتصرف، هذا مع الإبقاء على رفع المعنويات و
التأييد لقدرات نابيير، كصديق مند فترة طويلة و من أنصار بالمرستون، مبينا أن
المهمة الغامضة نشأت في أصلها داخل وزارة الخارجية، الواقع أن بالمرستون كان قد
أقنع نابيير جيدا بالانتظار حتى الربيع حيث الطقس أفضل، بدل الإسراع و المجازفة
بإرسال بواخره الحربية.
في هذه
الأثناء كان السرب في سبيتهيد Spithead محاصرا برياح الجنوب، رأى نابيير في ذلك فرصة لتعزيز سرب المتوسط
بطلبة من القيادة العليا، والتي ستكون شاغرة قريبا، لقد كان افتتاحا للأسلوب
المفضل لديه، و المتمثل في اتخاذ إجراءات حاسة و سريعة، وكانت هناك خطورة في
الروتين وأساليب الانتظار والعمليات الطويلة الأمد، "آمل أن يتم السماح
بالقيام بعمليات قصيرة مع الموريين(3) إن تمادوا في وقاحتهم ورفضوا دفع التعويضات،
فالحصار هو عقاب بطيء في هذا الموسم من السنة، وهو عمل غير مضمون النتيجة".
رغم اضطراره لكبح جماح الحماس لدى نابيير، حرص أوكلاند على أن يكون إيجابيا
"أنا متفائل أنك تستطيع تحقيق الغرض مع المغاربة بالوسائل القوية، لكننا في
البداية علينا استعمال وسائل لطيفة مدعومة بظهور قوي".
قام
نابيير بسرعة بخطوته، وطلب الرسوم البيانية لطنجة وموغادور قصد استكمال التقارير
الرسمية، وأوكلاند حذر من كون العمليات المستمرة والمستدامة على ساحل المحيط
الأطلسي خطيرة جدا بين نونبر وأبريل، كما أن بالنسبة لساحل الريف، فالبخاريات
وحدها التي بمقدورها الاقتراب منه ـ القادرة على دفع الخطر عن النازلين إلى البر
ـ، و عرض بعض النقط الواضحة للاستهداف بالهجوم.
مع وصوله
إلى لشبونة يوم 4 يناير 1849، افتتح نابيير الاتصالات مع جون دراموند هاي في طنجة،
من خلال المعلومات المرسلة من قبل الأميرالية خلص إلى ما يلي: " يبدو لي من
الأفضل ترك خط السفن الحربية في جبل طارق، و أخذ السفن الصغيرة و البحارة لتدمير
كل القوارب على ساحل الريف ... أنا لم أحب كثيرا فكرة إقامة حصار على الساحل
الغربي، لأن ذلك من شأنه أن ينبههم و يمنحهم الوقت للاستعداد لرد الهجوم".
بدل المخاطرة بحصار طويل و ممل، كان بإمكان نابيير التجديف بباخرته القوية إلى
جدران موغادور و تحطيمها بواسطة أسلحته، وطلب من جون دراموند هاي معلومات عن
دفاعات طنجة. لم يكن هذا هو النهج الذي يحبذه جون دراموند هاي، فأبلغه أن السلطان
قد يفسح المجال أمام استعمال مناسب للقوة.
من سوء
حظ نابيير أن اللورد أوكلاند توفي فجأة قبل بداية السنة الجديدة، و ترك قيادة
الأميرالية للورد الأول للقوات البحرية، نائب الأميرال السيد جيمس دونداس(4)،
أميرال مكتب ذو تجربة محدودة في مجال الملاحة، عوض به في دور مركزي في سياسة الحزب
اللبرالي. حركة أوكلاند الموجهة في صالح الاقتصاديات المهيمنة استمرت بعد وفاته
دون الكثير من التفكير في عواقب على المدى الطويل. تم تخفيض ثلاثة آلاف رجل من
تقديرات سرب نابيير، مما يفسر إلغاء انطلاق الحملة قبل نهاية مارس، لتتحول إلى
حملة على ساحل الريف في ماي. لقد بدأ العد العكسي في 11 يناير حين استدعيت السفينة
رودني، إحدى قطع البحرية الملكية للعودة إلى الميتروبول فورا لتسديد نفقات ترتبت عليها،
وهذا طرح آنذاك مسألة حول نابيير و هي هل بإمكانه القيام بشيء قبل أن تتبخر قواته.
تم تعيين السيد فرانسيس بارينغ(5) في منصب اللورد الأول في 16 يناير، لكنه لم
يباشر عمله فعلا إلا بعد إعادة انتخابه في مقعده في مجلس العموم في حوالي السادس
من فبراير، إلى هذه اللحظة كانت الأميرالية قد ظلت مكرسة لنوع من الروتين، ليس لأن
نابيير طال انتظاره لعودة بارينغ فالرجلين سبق لهما خوض منافسة انتخابية في
البورتسموث قبل خمسة عشرة سنة.
أبحر
نابيير إلى جبل طارق مكتئبا لفقدان سيده أوكلاند في 18 يناير 1849، وصل يوم السابع
و العشرين بعد رحلة مريرة عكست مزاجه العكر، البريد الموالي حمل إليه أخبار سيئة،
لقد ألغت الأميرالية زيارته المبرمجة إلى سانتا كروز تينيريفي، موجهة له استدعاء
للحضور إلى جزيرة ماديرا(6) ثم بعدها العودة إلى لشبونة من دون تأخير، كما جاءته
رسالة خاصة من دونداس و قد كانت بمثابة ضربة، سيعطى الأميرال باركر جولة ثانية
كقائد عام في المتوسط، و أضاف ما هو أسوأ: "أنت لن تقوم بأية محاولة ضد
المغرب من دون المزيد من الأوامر، و أنا أعرف أن هذه هي رغبة السيد بارينغ والحكومة
". بارينغ، اللورد الأول الجديد، يبدو أنه سيواصل نهج سلفه الحذر و ليست له
نية إعطاء الأوامر لنابيير بالتصرف، و كان أقل براعة، كما أن إعادة تعيين باركر
كان شيئا ليس عاديا إلى حد بعيد، لكنه كان منطقيا تماما. ظل البحر المتوسط متوترا
و باركر أبان عن حكمة ملحوظة في تصرفه. يوم الواحد و الثلاثين فتح نابيير مراسلة
خاصة من بارينغ، و قد جاء فيها أن جون دراموند هاي سيستدعى إلى محفل في جبل طارق،
و أنه خلال حضوره سيهيئون تصاميم حول عمليات في الريف والسواحل الأطلسية. و أرسل
رسالة أخرى إلى بارينغ و بالمرستون يطلب القيادة بالمتوسط. التقى نابيير وجون
دراموند هاي على متن حاملة لواء (flagship)، وبعد ذلك غادر دراموند هاي على
متن البخارية الملكية صيدون ليقدم الطلب النهائي إلى وزير الخارجية المغربي
في العرائش قصد تسوية قضية ريدمان، و بهذا دق ناقوس الخطر بالموانئ المغربية. أثار
نابيير بسعادة هذه المخاوف، و أبقى بتباه على بارجتين كانتا عائدتين إلى
الميتروبول في عرض المتوسط، ليس فقط لأنه كان يعتزم التصرف فحضوره إلى جبل طارق
عزز قناعته بأن حصارا فعالا للموانئ المغربية سيكون مستحيلا، وقال أنه بمجرد عودة
صيدون من العرائش سيرى ما يمكن فعله ضد الريف. إلى حدود اللحظة كان قد أبقى على
أوراقه بالقرب منه "لا أصدق أنه قد يعتقد وجود أي مخططات عنهم هنا، هذا أفضل
بكثير"، لكن من الواضح أن الأميرالية كانت لها آراء أخرى، فيوم فاتح فبراير
صدرت الأوامر لنابيير ليكون فورا على استعداد للمثول في سبيتهيد Spithead.
رغم كون
الأميرالية لم تكن تهتم كثيرا بشؤون المغرب، فقد جلب نابيير لنفسه الاهتمام سريعا،
فقد جلب له عرض التباهي بالقدرة السلاحية إذعان المغرب في غضون أسبوع واحد، قنصلهم
وصل إلى جبل طارق على متن زورق في الرابع من فبراير، موافقا على عقد التزام بشأن
مطالب ريدمان، و قد أوضح نابيير: "لقد بدا بوضوح أنه كان خائفا جدا، ووصول
سفينة رودني، و جلسات التقديم التي عقدها بالمسرح لم يكونا كفيلين بتهدئته".
في حرص على تحقيق تسوية سريعة، رفض نابيير محاولة حاكم جبل طارق المشاركة، وأرسل
قارب إلى طنجة للحصول على رأي جون دراموند هاي، وقد وافقت له الأميرالية على
احتجاز السفن في ظل الظروف الخاصة.
التحول المفاجئ على ما يبدو في سياسة طنجة، هو
تنامي مخاوف فرنسا، خشية أن تحتل بريطانيا الأراضي المغربية، خاصة ساحل الريف
القريب من الجزائر، و كانت باريس قد حثت السلطان على التنازل. نابيير كان حريصا
تماما على التسوية، فساحل المحيط الأطلسي في الشتاء لن يقدم إلا فرص قليلة قد
تساعد على القيام بعمليات تأديبية. رغبة منه في التوضيح، نابيير قال لبارينغ إنه
سيبعث باخرة أو ربما اثنتين إلى بريطانيا قصد التهديء و تبديد المخاوف من كون
الحملات قد تكون مكلفة، "للقيام بالعملية بنجاح، يجب القيام بكل شيء بشكل
صحيح و فعال، و بقوات جيدة، و يكون ذلك عمل واحد مستمر على جميع السواحل، إنهم
مجموعة سيئة، و يستحقون أشد العقاب".
أجرى
محادثات أخرى عن الريفيين مع دونداس "سمعت أنهم مجموعة مولعة بالحرب، وقناصين
ماهرين وإذا ما احتجزوا سجناء فإنهم يقتلون المسنين ويستخدمون الشباب في الأشغال،
إذن ليس أمامي خيار آخر غير تنفيذ هذه العملية، على الأقل حاكم جديد لجبل طارق قد
عوض المقرف ويلسون".
في ذلك
اليوم نفسه طلبت منه الأميرالية إرسال التصاميم و التعزيزات إلى السرب الذي يقوده
باركر بالأسطول المتوسطي و يعود هو إلى الميتروبول مع بقية سربه، وضح له دونداس
الأسباب في رسالة خاصة: " إنه لحد الآن هو القائد ... كما أننا حريصون على
تخفيض أعدادنا من الرجال، وكذلك التخفيف من عدد السفن"، في يوم العاشر أعلن نابيير
أن قضية ريدمان قد سويت، واعتذر لباركر في اليوم التالي لاحتجاز الأمير رجنت(7) دعما
لدبلوماسية بلده. المغاربة قبلوا التحكيم إلى تاجرين من جبل طارق، اللذان خفضا
فورا مطالب ريدمان من 17000 دولار أمريكي إلى 10000، منتقدان حساباته وأوراق طلبه.
اعتقد نابيير أن المغاربة يعرفون التجار جيدا، وأنهم أجروا معهم الكثير من
المعاملات، ومن المرجح حسب رأيه أن تحكيمهم سيكون لصالح الحكومة المغربية.
يتبع...
الهوامش:
1 ـ الإخوة ريدمان كانوا يملكون محلا بالجديدة يستعملونه كمستودع للسلع قبل
تصديرها، فصودر منهم المحل من طرف المخزن فتدخلت القنصلية البريطانية بسبب ذلك،
أنظر بوشعراء مصطفى، الاستيطان والحماية بالمغرب، ج 3، ص 992.
2 ـ الجنرال
تشارلز جيمس نابيير، ولد في 10 غشت 1782 و توفي في 29 غشت 1853، كان جنرالا في
الإمبراطورية البريطانية والقائد العام للقوات المسلحة الجيش البريطاني في الهند،
كان له دور بارز في قهر السند في ما يعرف الآن بباكستان، انضم إلى فوج المشاة
الثالث و الثلاثين التابع للجيش البريطاني في 1794، قاد فوج من المشاة خلال الحرب
في شبه الجزيرة الإيبيرية ضد نابليون بونابرت حيث أصيب إصابة خطيرة ولكنه أنقذ على
قيد الحياة، ثم قبض عليه كأسير حرب من طرف الجيش الفرنسي، وقد تم منحه الميدالية
الذهبية في الجيش بعد أن عاد إلى بريطانيا، في عام 1842، وهو في سن الستين، تم تعيينه على قيادة الجيش الهندي في
بومباي و هذا ما قاده إلى إقليم السند، لغرض قمع تمرد مشايخ المسلمين الذين بقوا
معادين للإمبراطورية البريطانية بعد الحرب الأنجلو أفغانية الأولى و انتهت الحملة
بإخضاع السند و ضمها إلى الإمبراطورية. عين نابيير محافظا لمقاطعة بومباي. ولكنه
بسبب صراع مع إدارة شركة الهند الشرقية البريطانية، تم عزله من منصبه وعاد إلى
بريطانيا إلى أن تم إرساله مرة أخرى إلى الهند خلال ربيع عام 1849، بالإضافة إلى
الهند قام بعدة حملات في مناطق أخرى ضمن المهام العسكرية البريطانية.
3 ـ وضعت لفظة الموريين هنا بدل المغاربة أو أية لفظة أخرى كمقابل لكلمة moors.
4 ـ عاش
الأميرال جيمس دونداس ما بين 4 دجنبر 1785 و 3 أكتوبر 1862، كان ضابطا في البحرية
الملكية، وشارك في الحروب النابليونية، ثم ترقى إلى رتبة قائد، كما شغل منصب عضو
في البرلمان كنائب يميني لمقاطعة غرينتش، وأصبح اللورد الأول للبحرية الملكية خلال
ولاية الوزير الأول راسل في يوليو 1847، تم تعيينه قائدا عاما للقوات المسلحة في
منطقة البحر الأبيض المتوسط في عام 1852، وأدى كل العمليات البحرية في البحر
الأسود بما في ذلك قصف سيفاستوبول في أكتوبر 1854 خلال حرب القرم.
5 ـ فرانسيس
بارينغ سياسي بريطاني عضو في البرلمان عن بورتسموث مند عام 1826، و شغل مناصب
وزارية عدة مرات، و رفض بعض الحقائب في فترات أخرى (المالية في حكومة راسل)، تولى
منصب اللورد الأول للأميرالية مند يناير 1849، كان من المعارضين لحرب القرم.
6 ـ جزيرة ماديرا تقع في المحيط الأطلسي قبالة الساحل المغربي أبعد من جزر
الكناري، اكتشفها البرتغاليون سنة 1419 واحتلوها، وتستمد اسمها من الخشب لوفرته
فيها، كما تسمى أيضا جزيرة الزهور نظرا لمناخها المعتدل طوال السنة.
7 ـ ولي عهد الدنمارك في أوائل القرن التاسع عشر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق