السفينة
التجارية "الأخوات الثلاث"، قراصنة الريف
والسفن
الحربية البريطانية (8):
تأليف:
أندرو لامبرت
ترجمة:
فريد المساوي
قرار 1856:
رغم أن الريفيون تمكنوا من تجنب العقاب في 1849، فإن آفاق التطور الاقتصادي
على المدى الطويل ونمو الرقابة البريطانية غير الرسمية كانت تعني أن أيامهم باتت
معدودة، ومع ذلك لم يختاروا التراجع بهدوء عن أعمالهم. في 1850 عاد بالمرستون إلى
التعبئة، وشجع الأميرالية على إرسال حملة تأديبية، ولكن كانت هناك الكثير من
القضايا الضاغطة ولم تكن لدينا سفن احتياطية. في 5 أكتوبر 1851 اعترض الريفيون
السفينة violet ذات الصاريتين قرب نقطة بطوية على
خليج إعزانن، لقد نهبوا الحمولة المتكونة من الذرة وقتلوا بعض أفراد الطاقم، وافتدينا
الآخرون. أرسل الجنرال غاردنر سفينة صاحبة الجلالة جانوس Janus، وهي سفينة مجدافية صغيرة، تحت
قيادة الملازم ريتشارد باول، خرج باول من جبل طارق يوم 17 أكتوبر 1849، ووصل أمام
ساحل الريف في اليوم التالي. خلال الساعة الثانية بعد زوال ذالك اليوم، وجد
السفينة الإسبانية joven emelia قد استحوذوا عليها وجردوها من كل شيء وجروها إلى
خندق عميق على بعد أربعة أميال غرب رأس المذاري الثلاث، من المرجح أنها كالا
ترامونتانا.
جدف باول
مقتربا من الشاطئ وهو يطلق بعض الطلقات النارية الثقيلة لتشتيت السكان المحليين وتدمير
بعض قواربهم، حيث بدا أن نيران مدافعه كانت فعالة بشكل جيد، وعاد في اليوم التالي
لإتمام مهمته، في يوم 20 أكتوبر اكتشف باول هيكل السفينة violet المتفحم على الشاطئ على بعد ثلاثة
أميال جهة الغرب، وهنا بادره الريفيون بإطلاق النار. رسا باول للمرة الثانية، رغبة
منه في تدمير قواربهم، فقط لإثبات تفوقه عنهم بشكل كبير، لكن الفرقة التي نزلت
أرغمت على العودة إلى القارب بثمانية جرحى من بينهم باول نفسه، ورغم تمكنه من
تدمير مركبين للقراصنة إلا أنه رأى بنفسه الكثير منها مخبأة في الرمال أو موضوعة
في الكهوف.
رغم قلق السيد بالمرستون ورغبته في إرسال حملة
تأديب واسعة، إلا أن السيد فرانسيس بارينغ لم يكن يضن أن باستطاعتهم فعل أي شيء،
لقد كانت البحرية الملكية مجزأة أكثر من أي وقت مضى إلى مجموعات صغيرة جدا، وكانت
هناك قضايا أكثر إلحاحا من الانتقام من العمليات القرصنية، خاصة بعد أن قصف
الفرنسيين طنجة، مما يهدد باختلال توازن القوى في المضيق، فعندما أتى الأميرال
باركر ببخارية قوية، فعل ذلك لدعم المصالح البريطانية مع محاولات فرنسا التوسع في
الأقاليم المغربية.
تمكن
القبطان هنري جيفارد (1) Henry
Giffard بقيادته باخرة البحرية الملكية dragon من استرجاع أربعة ناجين من طاقم
السفينة violet
بينما كان باول يتعافى من جروحه، بعد ذلك عادت dragon و Janus لمسح ساحل القراصنة، وكما كان
متوقعا فقد أطلقت عليهما النيران.
في عام 1852، تأمل الأميرال باركر مشكلة الريف حين غادر
المحطة للمرة الأخيرة: "أفترض أنه سيكون من الصعب هدم القرى، أو إحراق
المحاصيل، دون الحاجة إلى وقت أطول من مدة حملة ليوم واحد على الساحل، كل محاولة
قمنا بها ينبغي أن تكون بطريقة فعالة، وتنفيذها بكيفية أفضل قليلا قد يأتي بنتائج
أفضل من شن هجوم على نطاق واسع، حيث أننا قد نتعرض لخسائر كبيرة في الأرواح، ولكنني
أضن حقا أنهم يستحقون عقابا بطريقة ما"، وهذا من شأنه أن يمثل عملية كبرى بالنسبة
لأي أسطول. في الحقيقة، وكما اعترف مؤرخ للبحرية الملكية متأخر عن العصر
الفيكتوري: "لا يبدو أنه تم القيام بأية أعمال انتقامية هامة ضد المخالفين"،
وبدلا من ذلك فضل وزير الخارجية اللورد ملمسبوري Lord Malmesbury(2) إجبار المغاربة على حل
المشكلة، متبعا في ذلك الخط الذي وضعه صديقه بالمرستون، والمتمثل في التهديد
بالتعامل مع المنطقة على اعتبار أنها مستقلة.
لم تستعمل بريطانيا قوة كبرى ضد الريفيين، لأن ذلك كان
من شأنه أن يفتح الباب أمام قوى أخرى، كما لم يكن البريطانيون وحدهم المعنيون بهذه
المشكلة. ففي سنة 1852، نهب الريفيون السفينة التجارية florat حين اضطرت للتقرب من الشاطئ، ولم
تكن البحرية الألمانية قادرة على الرد آنذاك، ولاحقا في 7 غشت 1856، ظهر الأمير
أدالبرت(3) بالباخرة الكبيرة ذات العجلة المجدفة Dantzig قرب رأس المذاري الثلاث وهو يقود
حملة تأديبية تتكون من ستين رجلا، وفي اشتباك لمدة أربع ساعات ونصف تعلم درسا
مؤلما، أحد أصدقاءه البريطانيين أدرك ذلك جيدا، كان أدالبرت واحدا من سبعة عشر
جريحا، كما قتل سبعة آخرين. السفن الحربية لا تستطيع فرض الانضباط والاحترام على
السكان المحليين، لأنها تفتقر إلى القوة البشرية والمعدات اللازمتين للتحكم في
الشاطئ. قبل محاولة الأمير المتهورة، اتخذت الحكومة المغربية إجراءات حاسمة، فقد
أرسل السلطان جيشا من ثمانية آلاف جندي بقيادة عبد الملك، الحاكم المحلي الصارم، إلى
أراضي بويفار فأحرق قواربهم وقراهم، وفرض غرامات، وصادر الماشية، وأخذ رهائن لضمان
حسن سيرتهم في المستقبل. كانت العملية، كدليل على سلطة الحكومة على المنطقة، تعني
أنه على السلطان تحمل مسؤولية القرصنة الريفية. فطالبه الفرنسيون بسبعة آلاف دولار
كتعويض على سفينتهم jeune dieppoise
التي تعرضت للنهب هناك.
في أبريل
1856، وفي مبادرة محلية، التقى القنصل جون دراموند هاي بشيوخ الريف على حدود
مليلية، وأجرى معهم اجتماعا باللغة العربية، اللغة الثانية لكلا الطرفين (الريفيون
يتكلمون إحدى اللهجات الأمازيغية)، رغم تبادل المصافحات، فإن جون دراموند هاي لم
يحلم بأية أوهام، وكان ذلك حكمة، فقد استولوا على سفينة بريطانية أخرى hymen في 14 مايو من نفس السنة، وهذا ما
جعل هاي يطالب بالتحرك، وعاد الجيش المغربي لإنزال المزيد من العقاب ببويفار، كما
قدم السلطان التعويض عن السفينة hymen. وكانت
تلك هي نهاية القرصنة الريفية الكبرى إلى وقت متأخر من القرن، حيث انهارت السلطة
المركزية مرة أخرى وعاد الريفيون إلى تجارتهم القديمة (4). وحسب إقرار لمؤرخ
بريطاني للإمبراطورية الشريفة من أواخر القرن التاسع عشر، فالريفيون كانوا سعداء
باعتراض أي سفينة ضعيفة اضطرت للاقتراب بما فيه الكفاية، طالما أن الحكومات
الأجنبية وكذا المغرب، يفضلون دفع الفديات ويقبلون بالتسويات النقدية فإنهم
سيستمرون في عملهم. كل الذرائع في العالم حول الحفاظ على توازن القوى، وكذا تجنب
تورط الأوربيين في الحرب، لن تفسرـ في نظر المغاربةـ سياسة الاستلقاء التي اتبعت
مع هذا الرجل المريض في الغرب.
خلاصة:
في الوقت
الذي كانت فيه القرصنة الريفية مصدر إزعاج، كانت أية محاولة جادة من قبل
البريطانيين لقمع القراصنة تهدد بجعل الفرنسيين يقومون بتحركات أكبر، التحركات
التي كان من شأنها أن تعرض للخطر المصالح الإستراتيجية البريطانية في مضيق جبل
طارق، وهيمنتها التجارية والسياسية التي كان من المنتظر أن تؤكدها المعاهدة
المغربية البريطانية لعام 1856. الإمبراطورية البريطانية لا يمكن أن تحقق التحسن والهيمنة
التجارية دون وجود حكومة مغربية مركزية قوية نسبيا تفرض النظام على المقاطعات، وتضمن
إخراج معاهدة "الباب المفتوح" التجارية إلى حيز التنفيذ. قبل كل شيء،
كانت تكلفة التعامل مع القراصنة بطريقة مباشرة جد باهظة، لفرض النظام على مجموعة،
خطيرة ومسلحة جيدا، وتعاني من الفقر، ويزداد عنفها ضد المسيحيين نتيجة عقود من الحروب
الاستعمارية ضد الإسبان، وليس من النادر أن تم تفقيرها وتجويعها... كان ذلك يتطلب
حملة عسكرية كبيرة، مدعومة بسرب كبير من القوات البحرية. كانت لا بد أن تكون هناك
تكلفة بشرية كبيرة، ومشاكل دبلوماسية خطيرة، ومن شأن مثل هذه العملية في الحقيقة،
أن تكون غزوا واحتلالا، وإن كانت لها بعض المشروعية على المدى القصير. كان يمكن
لبريطانيا أن تحظى ببعض التأييد من فرنسا لاحتلال ساحل الريف، مع تقديم وعد
بالانسحاب لاحقا، وبعد كل شيء فقد كان ذلك بالضبط ما وعد به الفرنسيون بريطانيا
حين اجتاحوا الجزائر سنة 1830. كان الرد المناسب هو إقامة دوريات منتظمة، وكان
يمكن أن تكون غير مكلفة. لكن بدلا من ذلك كان رد بريطانيا على الهجمات هو إرسال
سفن حربية لاستعادة البواخر المحتجزة ومعاقبة القراصنة على حوادث معينة بالذات.
كان يتناسب مع المصالح البريطانية دعم وتشجيع الحكومة المغربية على التعامل مع
القضية عن طريق استعادة السيطرة على سكان المناطق المضطربة، ذلك أن بعض تلك
الهجمات القرصنية قد تكون تتم بتواطؤ مع شبكة تهريب تنشط بين إسبانيا والجزائر
وجبل طارق والمغرب، وقد تقوم بأي تصرف غير لائق. ومن شأن وجود نظام جمركي مغربي
فعال، مع تعميم رسوم منخفضة، ووجود شرطة كافية، أن تكون في نهاية المطاف أفضل حل
لقرصنة الريف.
الهوامش:
1 ـ هنري جيفارد هو ابن الأميرال جون جيفارد، دخل القوات البحرية كضابط صف
عام 1824، في 1831 ترقى إلى رتبة ملازم أول، شارك في عدة حملات وحروب بريطانية،
شغل منصب قبطان في الكثير من سفن البحرية الملكية.
2 ـ اللورد ملمسبوري سياسي بريطاني من أسرة نبيلة شارك الكثير من أفرادها
في الحكومة، شغل عدة مناصب وزارية، وعضوا
في البرلمان، وفي الأميرالية، وفي الأخير قضى بقية حياه أسقفا.
3 ـ الأمير أدالبرت هو ابن عم الإمبراطور
وليام حاكم بروسيا في أواسط القرن 19، حصل على رتبة عسكرية عالية، وتولى قيادة
القوات البحرية الألمانية، هجم على الريف انتقاما لطاقم سفينة بلده florat التي اعترض طريقها الريفيون في إعزانن سنة 1852 وصادروا
حمولتها وألحقوا بها خسائر فادحة حسب الصحافة الأوربية، وقد قتل أحد أفراد طاقمها
وأصيب قبطانها، ولكن حملته على الريف كانت فاشلة، حيث عاد بعدد من القتلى والجرحى كما أصيب هو نفسه.
4 ـ يقصد هنا ظهور
القرصنة من جديد في الريف في أواخر القرن التاسع عشر ولكن هذه المرة فقد ارتبطت
بقبيلة بقوية وليس بويفار.