السفينة
التجارية "الأخوات الثلاث"، قراصنة الريف
والسفن
الحربية البريطانية (2):
تأليف:
أندرو لامبرت
ترجمة:
فريد المساوي
قراصنة الريف:
شاطئ
الريف جزء من الساحل المتوسطي المغربي، تقريبا بين سبتة ومليلية، في رأس المذاري
الثلاث(1)، المكان كان مرتعا واضحا للقراصنة، ما دامت منطقة معزولة وجد فقيرة،
وتوجد بالقرب منها أسواق جذابة ومغرية للتهريب تجد فيها أغلب القبائل الريفية
البربرية مجالا أفضل من القرصنة، وكان حاكم جبل طارق سعيدا بالترحيب بالحمولات
التي يجلبونها، كثير من القوارب الصغيرة التي تشتغل بالتهريب على طول الساحل كانت
تهرب الأسلحة إلى الجزائر أو تنقل التبغ والمجوهرات إلى إسبانيا، وكانت تلوذ بتلك
السواحل لتجنب محميات إسبانيا وكذا قوات البحرية الفرنسية، وكان مالكي ومشغلي أغلب
تلك القوارب من خارج جبل طارق كما تعترف بذلك إسبانيا وفرنسا، في أوائل القرن
التاسع عشر كان الريفيون يسعدون بفرص حجز المهربين الإسبان، قوارب الصيد الريفية
كان طولها أربعين قدما وعرضها ستة أقدام، وتصل قوة تجديفها إلى ستة عشر مجدافا،
كانت واسعة بما يكفي لممارسة التهريب والقرصنة، وكانت القوارب المبحرة عبر مضيق جبل
طارق لولوج البحر المتوسط هي المستهدفة، إذا لم تبقى مبحرة شمال جزيرة البرهان(2)،
تجد نفسها في تيار يجرها في اتجاه الجنوب، إلى أن تتوقف بسبب هدوء البحر الذي
تسببه شبه جزيرة قلعية، في نطاق بحر بني بويفار (3) الهادئ حيث تجول قوارب تجديف وأصحابها
مدججين بأسلحة ثقيلة. لقد كان بني بويفار يعتمدون القنص والتجارة الساحلية كمصدر
للرزق، وفي 1830 احتلت فرنسا الجزائر، فشوشت على التجارة الساحلية، والإسبان كثفوا
في ضغوطهم على الملاحة الساحلية للريفيين، وهذا ألغى إمكانيات مهمة للتجارة
بالمنطقة وهدد السكان المعتمدين على الملاحة، فالتضييق الإسباني كان يتسع ليشمل
قوارب الصيد والزوارق الصغيرة ليشل في 1854 حركة الساحل الريفي، نصف العمليات
القرصنية حدثت في هذا الوقت. رغم أنه لم تكن هناك علاقة مباشرة بين أعمال إسبانيا
والقرصنة، فالمراكب المصادرة من طرف الإسبان لم تكن في ملك بني بويفار، ولكن
الحضور الإسباني ظل عاملا أساسيا، فقد قطع الفرص على نمو واستمرار التجارة
الشرعية، لقد شجعوا وأغروا على مقاومتها وكبحها.
إن بني
بويفار الذين اعترضوا سفينة Ruth كانوا يمثلون واحدة من عدد من القبائل على هذا الساحل والمعروفة
جماعيا بقراصنة الريف، يسحبون السفن التي يغنمونها إلى إحدى الشواطئ الضيقة بين رأس المذاري
الثلاث وخليج إعزانن(4) وبعد تجريدها من البضائع والمعدات والأدوات المعدنية
يحرقون هياكلها، إذا تم القبض على طاقم ما، فإن أفراده يتم افتدائهم من طرف
التمثيليات الأوربية في طنجة بمعزل عن تدخل الحكومة المغربية، ولكن كما هو معروف،
فطواقم أربعة من أصل ستة سفن بريطانية تم اعتراضها ما بين سنتي 1846 و1856 لم
تنتظر حتى يتم القبض عليها بل فر أفرادها على متن زوارقهم، ومع السمة التجارية
بالأساس لعملية افتداء الأسرى فإننا قد نتصور أن تحضر في العملية عوامل أخرى، كأن
يتم التواطؤ من بعض الطواقم مع القراصنة من أجل اقتسام الفدية.
أثناء
العودة الضرورية لسفينة ما قصد استعادة البواخر المحتجزة أو ببساطة لإنزال عقوبات
بالسكان المحليين، اكتشفت السفن البريطانية بسرعة حقيقة مرة، هي أن الإنجليز كانت
لهم معرفة قليلة جدا بتلك الناحية، كما كانوا يفتقرون إلى خرائط دقيقة، ومخططات
موثوق بها، فبلدة بويفار كانت شبه مستحيلة التوطين، فهي غالبا تقع وراء حدود البصر
وعصية عن القصف، وكذلك قواربهم، فالريفيون كانوا يدفنونها في الرمال أو يخفونها في
الكهوف، وسواحلهم تغلب عليها المنحدرات، وهي ميزة ملحوظة لصالح المدافعين من نيران
الحرب، نفس النقطة الإيجابية كانت تساعد الريفيين على تحديد مواقع السفن القادمة
نحوهم بمنظاراتهم المميزة، ثم يستعملون الإشارات النارية لإعلام الآخرين بمجرد
تحديد موقع غنيمة محتملة، كما كانت لدى قراصنة الريف أسلحة كافية للإيقاع
بضحاياهم، البعض منهم يمتلك البنادق الريفية المحلية الصنع ذات الأنبوب الطويل،
فقد جاء تقرير البحرية لتبرير عدم إنزال العقاب لسنة 1846 كما يلي: "البنادق
الريفية تزيد مسافة طلقتها عن البندقية الإنجليزية بقدر نصف طلقة، والريفيون
قناصون ماهرون، يعرفون بين المغاربة بولعهم بالحروب وبكونهم عدائين مهرة"، ولا
يقتصر سلاحهم عن البنادق، ففي 1848 تعرضت البخارية الملكية polyphemus لقصف بواسطة مدفع كان قد
أرسله سلطان المغرب سابقا للاستعمال ضد الإسبان.
بينما
كانت عمليات وغارات الريفيين صغيرة و غير منتظمة، فالسلطان كان يؤكد عدم قدرته على
زجرهم، وبريطانيا كانت تفضل عدم الضغط في القضية، ولم تكن لها رغبة في الزيادة من
مشاكل المغرب، كما لم تكن تحب أن توفر لفرنسا مبررات للتصرف على الساحل الممتد من
الجزائر إلى حدود جبل طارق، بناءا على ذلك فرد الفعل القياسي لبريطانيا على حوادث
القرصنة في المنطقة هو إرسال سفينة حربية لاستعادة السفينة المستهدفة، و معاقبة أولئك
البرابرة الوقحين.
في ماي
1846 حين قبض الريفيون المركب التجاري البريطاني Ruth، أرسلت حكومة جبل طارق مركب
البحرية الملكية fantôme، تحت قيادة القائد فريدريك نيكولسون (5)، في 12 ماي 1846، حدد
نيكولسون موقع القراصنة قريبا من رأس المذاري الثلاث، حيث سحبوا المركب إلى الشاطئ
لنهب حمولته، نزل نيكولسون إلى البر و أرغم القراصنة على الابتعاد عن الشاطئ، واستعاد
السفينة Ruth وجزءا من الحمولة، قتل في المواجهة بعض القراصنة في حين خلف
البريطانيون قتيلا وثماني جرحى.
لقد كوفئ
نيكولسون على حماسته حيث تمت ترقيته إلى درجة قبطان، وملازمه الأول أصبح قائدا، و
منحت له أموال وزعت على أفراد الطاقم. ولكن
مهما كان، فقائده العام في المحطة المتوسطية، الأميرال السيد وليام باركر(6)، لم
تثر العملية إعجابه، العملية كانت حقيقة
شجاعة وحازمة، لكن Ruth عادت حطاما لا قيمة لها ... " لا أستطيع إلا الندم على
الصراع من أجل استعادتها، هذا الصراع الذي كان مجازفة، ليس فقط لأن عادات البرابرة
كانت معروفة، و لكن أيضا أن نتائج المحاولة كانت محبطة". كان مقتنعا بأنه كان
أفضل بكثير لو طالب بتعويضات من السلطات الشرعية، التباين بين حملة نيكولسون
الدموية و تحفظ باركر الحذر كان واضحا.
كخبير في
الشؤون الدولية، فهم باركر أن القوة المسلحة كانت وسيلة ذات فائدة محدودة في تلك
الظرفية، ومهما كان فقد كان على نيكولسون أن يفهم أن قراصنة الريف ربما يهنئون
بعضهم البعض على إبعادهم للكافرين و تحصينهم لمكتسباتهم غير المشروعة.
حين تم
الضغط على السلطان(7) من أجل دفع تعويض على السفينة Ruth، أعلن عدم قدرته على معاقبة
الريفيين، البريطانيون كانوا قلقين من السكوت و عدم الضغط على المغرب في الوقت الذي
كانت فيه حرب فرنسا مع عبد القادر بالجزائر لا زالت في تقدم. في هذه الأثناء تدخل
الحاكم المحلي المغربي(8) لإنزال ما يكفي من العقاب تلبية لرغبة جون دراموند هاي(9)
قنصل بريطانيا في طنجة. مهما كان فالسلطان توصل بتحذير رسمي بأن أية أعمال تكررت
من هذا القبيل ستجعل البريطانيين يتخذون التدابير اللازمة بأيديهم، مدعمين تحذيرهم
بجلب سفينة حربية بخارية من جبل طارق ومعززين القوات البحرية بوسائل ممتازة
استعدادا لتحدي القراصنة، اقتربت السفينة إلى الساحل بسرعة واختارت أحسن المواقع
للقصف البحري أو لاستعمال زوارقها المربعة الواسعة ذات المجاديف للحرب الشاطئية.
يتبع...
الهوامش:
1 ـ هو رأس جبلي على الساحل المتوسطي للمغرب يتكون من
نتوء جبلي كبير ممتد شمالا داخل البحر الأبيض المتوسط بالقرب من مدينة مليلية
المحتلة، وكما اعتبر هذا الرأس معلما بحريا للسفن حيث تقع منارة كبيرة في طرفه
الشمالي، فإنه شكل أيضا خطرا للسفن المبحرة في بحر البرهان بسبب الهدوء و الركود
الذي يسببه في البحر و الذي كان يسبب في وقوف المراكب الريحية لتبقى مهددة
بالاستهداف من طرف القراصنة، كما قد تصطدم في الصخور كما حدث مع سفينة حربية
إسبانية في 26 غشت عام 1923.
2 ـ جزيرة تحت النفوذ الإسباني توجد بالبحر المتوسط قبالة مدينة مليلية وعلى
بعد مسافة متساوية بينها و بين الساحل المغربي وبينها وبين الساحل الإسباني، وهناك
آراء تقول إنها في الأصل جزيرة مغربية.
3 ـ اسم أيت بويفار يطلق على مجوعة سكانية تعتبر فخذا من قبيلة قلعية
بإقليم الناضور حاليا.
4 ـ قرية ساحلية ضمن مجال أيت بويفار توجد بها حاليا جماعة إعزانن الترابية.
5 ـ قائد عسكري بريطاني
التحق بالقوات البحرية مند الأربعينيات من ق 19، ثم شغل منصب قبطان لإحدى السفن
الحربية مند سنة 1849، وشارك في قصف الإسكندرية سنة 1882، وأصبح القائد العام
للقوات البحرية محطة رأس الرجاء الصالح وغرب إفريقيا إلى أن تقاعد سنة 1897، وتوفي
سنة 1915.
6 ـ ضابط عسكري بريطاني ولد سنة 1781، دخل البحرية
الملكية سنة 1793، ترقى إلى رتبة ضابط ثم أميرال، شارك في معركة بريريال سنة 1806،
وقاد فرقاطة في معركة الرأس الأخضر سنة 1831، كما شارك في معارك الصين والجزر الهندية
وحرب الأفيون الأولى، وفي فبراير 1845 عين قائدا عاما للأسطول المتوسطي، لكنه
استقال بعد فترة وجيزة لأسباب صحية، وتوفي سنة 1866.
7 ـ كان هذا في فترة حكم السلطان عبد الرحمان
بن هشام الذي حكم ما بين 1822 و 1859.
8 ـ يقصد هنا حاكم طنجة المسمى محمد بن عبد الملك الذي
قاد الحملة التأديبية على قرية إعزانن بسبب اعتراضهم مراكب الأجانب سنة 1856.
9 ـ جون دراموند هاي هو المبعوث فوق العادة للمملكة المتحدة لدى المغرب في
القرن التاسع عشر، ولد عام 1816 في فالنسيان بفرنسا حيث كان يعمل والده، تلقى تعليمه في مدرسة
شرترهووس جنبا إلى جنب مع شقيقه الأكبر إدوارد هاي دراموند هاي، في سن الثامن و
العشرين تقريبا تم إرساله إلى المغرب كمساعد للقنصل العام، أثناء اشتغاله بالمغرب
أثبت حنكته و مهارته في نشاطه الدبلوماسي، حيث تميز بروح المبادرة و حب حرية
التصرف، وهذا استمر دون انقطاع خلال مدة عمله كقنصل لأكثر من 40 عاما، حيث مكنه
ذكاءه، و نشاطه، و معرفته الدقيقة للشخصية الشرقية من ممارسة قدر من النفوذ سواء
مع حكومة بلده أو مع المغرب أو مع السكان من مختلف الفئات، في عام 1845، كما قام
بدور وسيط في الأزمات التي كانت بين المغرب وكل من الدنمارك والسويد واسبانيا، و
كذلك كانت له تدخلات و أدوار فعالة في الكثير من القضايا الدبلوماسية و السياسية
الأخرى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق