الجمعة، 31 مارس 2017

حدود القوة البحرية البريطانية (الحلقة الثالثة):


السفينة التجارية "الأخوات الثلاث"، قراصنة الريف
والسفن الحربية البريطانية (3):
تأليف: أندرو لامبرت
ترجمة: فريد المساوي

القبض على باخرة " three sisters ":
في 31 أكتوبر عام 1848 خرجت من جبل طارق الباخرة التجارية المسجلة على مرسى ليفربول three sisters متجهة إلى مالطا، كانت محملة برزم الأقمشة و كمية كبيرة من البارود، الباخرة كندية البناء تقدر سعتها ب 134 طن مملوكة للسيد ماط(1) وبعض صغار المستثمرين، كانت عادة تعمل في الخط التجاري بين ليفربول و ديميرارا، ولهذا فقد كانت "الأخوات الثلاث" خارج مجالها المعتاد ولذلك لم تكن مؤمنة. و كانت الحمولة لشركة من جبل طارق مملوكة لجيمس كلاسكاو وشركاؤه.
في 2 نونبر 1848 تم اعتراض طريق "الأخوات الثلاث" من طرف مجموعة من القوارب في ساحل الريف، حينها أطلق القراصنة النار عليها، فنزل الطاقم في زورق و جدف مبتعدا في البحر، فجر القراصنة "الأخوات الثلاث" إلى الشاطئ، أنقذ الطاقم من طرف باخرة تجارية عابرة في صباح اليوم التالي، ووصلوا إلى جبل طارق في السابع من نونبر، الملاحظ أن الأولوية لدى حاكم جبل طارق هي إثبات أن حمولتها كانت شرعية، و بمجرد أن اشتكت الجهات التي أرسلت إليها الحمولة، فإن حاكم جبل طارق السيد روبرت ويلسون(2) أحال القضية إلى جون دراموند هاي مشيرا عليه بالتدخل لدى الحكومة المغربية، و طلب من جيمس مكلفرتي من باخرة بوليفيموس أن يحمل الرسالة إلى طنجة، لكن مكلفرتي رفض ذلك، و في المقابل انطلق فورا إلى مسرح الجريمة، في الصباح الباكر من اليوم التالي انطلق بوليفيموس مسرعا في خليج al khoyamich (3)، ثم اتجه شرقا في اتجاه رأس المذاري الثلاث، في صباح يوم 8 نونبر بعد أن مسح ساحل ترامونتانا(4)، اكتشف مكلفرتي السفينة المستهدفة وقد سحبت إلى الشاطئ، وكان حولها سبعة من قوارب الريفيين، والمكان يوجد تحت المنحدرات البارزة التي يحتلها ما يقدر بحوالي خمس مائة رجل مسلح، تحركت بوليفيموس في اتجاه الشاطئ فأطلق عليها القراصنة النار،  ولدفعهم لتغيير أماكنهم أمطرتهم بالرشاش الناري و بمختلف أنواع الطلقات النارية الكثيفة والمتكررة حتى تراجعوا، تمكن فريق من رفع مخطف السفينة، ثم عقلت لتجرها بوليفيموس إلى الماء، هنا بدأ الريفيون إطلاق النار من إحدى المدافع التي لم تستطع السفينة تحديد مكانها، فأطلقت الرشاش من جديد، أصيب خمسة بحارة بجروح. مع مواجهة عدو كثير العدد و مسلح تسليحا جيدا، تخلى مكلفرتي عن غايته الأصلية المتمثلة في النزول و إحراق مراكب القراصنة، ورأى أنها لا تستحق المجازفة بحياة بحارته من أجل ذلك، فجر سفينته المسترجعة وانطلق مبحرا إلى جبل طارق.
السفينة جردت من الأشرعة و الحبال، في الواقع جردت من كل ما كان على متن السفينة يمكن حمله، كما كانوا قد كسروا الأقفال وحملوا جزء كبير من الحمولة، وعندما وصلوا إلى جبل طارق اكتشفوا أن القراصنة أفرغوا 850 برميل من البارود و كمية كبيرة من القماش. ما كان عليهم أن يتعبوا أنفسهم من أجل أربعمائة برميل من الرنجة(5)، وخمسة عشرة عبوة من التبغ، وطنين من الكاكاو، أو عشرين طنا من الفحم.
خبر قضية "الأخوات الثلاث" تزامن مع انشغال الأميرال باركر في قضايا سياسية معقدة ومتعبة مرتبطة بنابولي وسيسيليا، لم تكن لديه سفن إضافية، وكانت خطوته المقبلة هي الاتجاه شرقا إلى بحر إيجة لدعم تركيا، وليس غربا لتأديب قلة من اللصوص الريفيين. من حادثة Ruth كان يعلم أن السلطان سيتنصل من المسؤولية، وابتهج لاسترداد الأخوات الثلاث، وأشاد بتجاهل مكلفرتي أوامر الحاكم بالاتصال بجون دراموند هي، وكذلك بقراره عدم النزول إلى البر. كما تبين من هذه الحادثة فبالنسبة للبريطانيين، فوجود بارجة بخارية مقيمة في جبل طارق، سيمكن من رد الفعل بسرعة واصطياد الجناة متلبسين قبل أن تتصرف أية قوة أخرى، والعبارة الأخيرة إشارة إلى القوات الفرنسية التي قد تساعدها قضية القراصنة المغاربة وتوجهها كذريعة لغزو السلطنة.
يتبع....
الهوامش:
1 ـ اسمه الكامل هو Sampsom Matchison حسب قائمة لأرباب السفن نشرتها مجلة بلفاست الشهرية The Belfast Monthly magazine عدد 60 جزء 11 بتاريخ 31 يوليوز 1813، ص 46.
2 ـ هو الجنرال روبرت توماس ويلسون، ولد سنة 1877، اشتغل ضمن إدارة الإمبراطورية  البريطانية بكثير من البلدان، كما مارس السياسة و دخل البرلمان كعضو عن الحزب اللبرالي من 1818 إلى 1831، وشغل منصب حاكم جبل طارق من سنة 1842 حتى وفاته سنة 1849.
3 ـ الكلمة مكتوبة بهذه الصيغة و يبدو من خلال السياق أنه يقصد خليج الحسيمة أو جون الحسيمة الذي كان يعرف بهذا الإسم، نسبة إلى جزيرة الحسيمة (نكور)، قبل أن يطلق الإسم على مدينة الحسيمة حديثا.  
 4 ـ اسم قديم كان يطلق على منطقة معينة من ساحل الريف، ومن المرجح أنها كلمة رومانية مركبة معناها الجبال الثلاثة، وقد يكون هو رأس المذاري الثلاث نفسه.

5 ـ نوع من السمك يتم تحضيره بطريقة خاصة حيث يصبح قابلا للتخزين، حيث يملح أو يخلل ثم يتم تجفيفه.

الخميس، 30 مارس 2017

حدود القوة البحرية البريطانية (الحلقة الثانية):


السفينة التجارية "الأخوات الثلاث"، قراصنة الريف
والسفن الحربية البريطانية (2):
تأليف: أندرو لامبرت
ترجمة: فريد المساوي

قراصنة الريف:
شاطئ الريف جزء من الساحل المتوسطي المغربي، تقريبا بين سبتة ومليلية، في رأس المذاري الثلاث(1)، المكان كان مرتعا واضحا للقراصنة، ما دامت منطقة معزولة وجد فقيرة، وتوجد بالقرب منها أسواق جذابة ومغرية للتهريب تجد فيها أغلب القبائل الريفية البربرية مجالا أفضل من القرصنة، وكان حاكم جبل طارق سعيدا بالترحيب بالحمولات التي يجلبونها، كثير من القوارب الصغيرة التي تشتغل بالتهريب على طول الساحل كانت تهرب الأسلحة إلى الجزائر أو تنقل التبغ والمجوهرات إلى إسبانيا، وكانت تلوذ بتلك السواحل لتجنب محميات إسبانيا وكذا قوات البحرية الفرنسية، وكان مالكي ومشغلي أغلب تلك القوارب من خارج جبل طارق كما تعترف بذلك إسبانيا وفرنسا، في أوائل القرن التاسع عشر كان الريفيون يسعدون بفرص حجز المهربين الإسبان، قوارب الصيد الريفية كان طولها أربعين قدما وعرضها ستة أقدام، وتصل قوة تجديفها إلى ستة عشر مجدافا، كانت واسعة بما يكفي لممارسة التهريب والقرصنة، وكانت القوارب المبحرة عبر مضيق جبل طارق لولوج البحر المتوسط هي المستهدفة، إذا لم تبقى مبحرة شمال جزيرة البرهان(2)، تجد نفسها في تيار يجرها في اتجاه الجنوب، إلى أن تتوقف بسبب هدوء البحر الذي تسببه شبه جزيرة قلعية، في نطاق بحر بني بويفار (3) الهادئ حيث تجول قوارب تجديف وأصحابها مدججين بأسلحة ثقيلة. لقد كان بني بويفار يعتمدون القنص والتجارة الساحلية كمصدر للرزق، وفي 1830 احتلت فرنسا الجزائر، فشوشت على التجارة الساحلية، والإسبان كثفوا في ضغوطهم على الملاحة الساحلية للريفيين، وهذا ألغى إمكانيات مهمة للتجارة بالمنطقة وهدد السكان المعتمدين على الملاحة، فالتضييق الإسباني كان يتسع ليشمل قوارب الصيد والزوارق الصغيرة ليشل في 1854 حركة الساحل الريفي، نصف العمليات القرصنية حدثت في هذا الوقت. رغم أنه لم تكن هناك علاقة مباشرة بين أعمال إسبانيا والقرصنة، فالمراكب المصادرة من طرف الإسبان لم تكن في ملك بني بويفار، ولكن الحضور الإسباني ظل عاملا أساسيا، فقد قطع الفرص على نمو واستمرار التجارة الشرعية، لقد شجعوا وأغروا على مقاومتها وكبحها.
إن بني بويفار الذين اعترضوا سفينة Ruth كانوا يمثلون واحدة من عدد من القبائل على هذا الساحل والمعروفة جماعيا بقراصنة الريف، يسحبون السفن التي يغنمونها  إلى إحدى الشواطئ الضيقة بين رأس المذاري الثلاث وخليج إعزانن(4) وبعد تجريدها من البضائع والمعدات والأدوات المعدنية يحرقون هياكلها، إذا تم القبض على طاقم ما، فإن أفراده يتم افتدائهم من طرف التمثيليات الأوربية في طنجة بمعزل عن تدخل الحكومة المغربية، ولكن كما هو معروف، فطواقم أربعة من أصل ستة سفن بريطانية تم اعتراضها ما بين سنتي 1846 و1856 لم تنتظر حتى يتم القبض عليها بل فر أفرادها على متن زوارقهم، ومع السمة التجارية بالأساس لعملية افتداء الأسرى فإننا قد نتصور أن تحضر في العملية عوامل أخرى، كأن يتم التواطؤ من بعض الطواقم مع القراصنة من أجل اقتسام الفدية.
أثناء العودة الضرورية لسفينة ما قصد استعادة البواخر المحتجزة أو ببساطة لإنزال عقوبات بالسكان المحليين، اكتشفت السفن البريطانية بسرعة حقيقة مرة، هي أن الإنجليز كانت لهم معرفة قليلة جدا بتلك الناحية، كما كانوا يفتقرون إلى خرائط دقيقة، ومخططات موثوق بها، فبلدة بويفار كانت شبه مستحيلة التوطين، فهي غالبا تقع وراء حدود البصر وعصية عن القصف، وكذلك قواربهم، فالريفيون كانوا يدفنونها في الرمال أو يخفونها في الكهوف، وسواحلهم تغلب عليها المنحدرات، وهي ميزة ملحوظة لصالح المدافعين من نيران الحرب، نفس النقطة الإيجابية كانت تساعد الريفيين على تحديد مواقع السفن القادمة نحوهم بمنظاراتهم المميزة، ثم يستعملون الإشارات النارية لإعلام الآخرين بمجرد تحديد موقع غنيمة محتملة، كما كانت لدى قراصنة الريف أسلحة كافية للإيقاع بضحاياهم، البعض منهم يمتلك البنادق الريفية المحلية الصنع ذات الأنبوب الطويل، فقد جاء تقرير البحرية لتبرير عدم إنزال العقاب لسنة 1846 كما يلي: "البنادق الريفية تزيد مسافة طلقتها عن البندقية الإنجليزية بقدر نصف طلقة، والريفيون قناصون ماهرون، يعرفون بين المغاربة بولعهم بالحروب وبكونهم عدائين مهرة"، ولا يقتصر سلاحهم عن البنادق، ففي 1848 تعرضت البخارية الملكية polyphemus لقصف بواسطة مدفع كان قد أرسله سلطان المغرب سابقا للاستعمال ضد الإسبان.
بينما كانت عمليات وغارات الريفيين صغيرة و غير منتظمة، فالسلطان كان يؤكد عدم قدرته على زجرهم، وبريطانيا كانت تفضل عدم الضغط في القضية، ولم تكن لها رغبة في الزيادة من مشاكل المغرب، كما لم تكن تحب أن توفر لفرنسا مبررات للتصرف على الساحل الممتد من الجزائر إلى حدود جبل طارق، بناءا على ذلك فرد الفعل القياسي لبريطانيا على حوادث القرصنة في المنطقة هو إرسال سفينة حربية لاستعادة السفينة المستهدفة، و معاقبة أولئك البرابرة الوقحين.
في ماي 1846 حين قبض الريفيون المركب التجاري البريطاني Ruth، أرسلت حكومة جبل طارق مركب البحرية الملكية fantôme، تحت قيادة القائد فريدريك نيكولسون (5)، في 12 ماي 1846، حدد نيكولسون موقع القراصنة قريبا من رأس المذاري الثلاث، حيث سحبوا المركب إلى الشاطئ لنهب حمولته، نزل نيكولسون إلى البر و أرغم القراصنة على الابتعاد عن الشاطئ، واستعاد السفينة Ruth وجزءا من الحمولة، قتل في المواجهة بعض القراصنة في حين خلف البريطانيون قتيلا وثماني جرحى.
لقد كوفئ نيكولسون على حماسته حيث تمت ترقيته إلى درجة قبطان، وملازمه الأول أصبح قائدا، و منحت له أموال وزعت على أفراد الطاقم. ولكن مهما كان، فقائده العام في المحطة المتوسطية، الأميرال السيد وليام باركر(6)، لم تثر العملية إعجابه، العملية كانت حقيقة  شجاعة وحازمة، لكن Ruth عادت حطاما لا قيمة لها ... " لا أستطيع إلا الندم على الصراع من أجل استعادتها، هذا الصراع الذي كان مجازفة، ليس فقط لأن عادات البرابرة كانت معروفة، و لكن أيضا أن نتائج المحاولة كانت محبطة". كان مقتنعا بأنه كان أفضل بكثير لو طالب بتعويضات من السلطات الشرعية، التباين بين حملة نيكولسون الدموية و تحفظ باركر الحذر كان واضحا.
كخبير في الشؤون الدولية، فهم باركر أن القوة المسلحة كانت وسيلة ذات فائدة محدودة في تلك الظرفية، ومهما كان فقد كان على نيكولسون أن يفهم أن قراصنة الريف ربما يهنئون بعضهم البعض على إبعادهم للكافرين و تحصينهم لمكتسباتهم غير المشروعة.
حين تم الضغط على السلطان(7) من أجل دفع تعويض على السفينة Ruth، أعلن عدم قدرته على معاقبة الريفيين، البريطانيون كانوا قلقين من السكوت و عدم الضغط على المغرب في الوقت الذي كانت فيه حرب فرنسا مع عبد القادر بالجزائر لا زالت في تقدم. في هذه الأثناء تدخل الحاكم المحلي المغربي(8) لإنزال ما يكفي من العقاب تلبية لرغبة جون دراموند هاي(9) قنصل بريطانيا في طنجة. مهما كان فالسلطان توصل بتحذير رسمي بأن أية أعمال تكررت من هذا القبيل ستجعل البريطانيين يتخذون التدابير اللازمة بأيديهم، مدعمين تحذيرهم بجلب سفينة حربية بخارية من جبل طارق ومعززين القوات البحرية بوسائل ممتازة استعدادا لتحدي القراصنة، اقتربت السفينة إلى الساحل بسرعة واختارت أحسن المواقع للقصف البحري أو لاستعمال زوارقها المربعة الواسعة ذات المجاديف للحرب الشاطئية.
يتبع...
الهوامش:
1 ـ هو رأس جبلي على الساحل المتوسطي للمغرب يتكون من نتوء جبلي كبير ممتد شمالا داخل البحر الأبيض المتوسط بالقرب من مدينة مليلية المحتلة، وكما اعتبر هذا الرأس معلما بحريا للسفن حيث تقع منارة كبيرة في طرفه الشمالي، فإنه شكل أيضا خطرا للسفن المبحرة في بحر البرهان بسبب الهدوء و الركود الذي يسببه في البحر و الذي كان يسبب في وقوف المراكب الريحية لتبقى مهددة بالاستهداف من طرف القراصنة، كما قد تصطدم في الصخور كما حدث مع سفينة حربية إسبانية في 26 غشت عام 1923.
2 ـ جزيرة تحت النفوذ الإسباني توجد بالبحر المتوسط قبالة مدينة مليلية وعلى بعد مسافة متساوية بينها و بين الساحل المغربي وبينها وبين الساحل الإسباني، وهناك آراء تقول إنها في الأصل جزيرة مغربية.
3 ـ اسم أيت بويفار يطلق على مجوعة سكانية تعتبر فخذا من قبيلة قلعية بإقليم الناضور حاليا.  
4 ـ قرية ساحلية ضمن مجال أيت بويفار توجد بها حاليا جماعة إعزانن الترابية.
5 ـ قائد عسكري بريطاني التحق بالقوات البحرية مند الأربعينيات من ق 19، ثم شغل منصب قبطان لإحدى السفن الحربية مند سنة 1849، وشارك في قصف الإسكندرية سنة 1882، وأصبح القائد العام للقوات البحرية محطة رأس الرجاء الصالح وغرب إفريقيا إلى أن تقاعد سنة 1897، وتوفي سنة 1915.

6 ـ ضابط عسكري بريطاني ولد سنة 1781، دخل البحرية الملكية سنة 1793، ترقى إلى رتبة ضابط ثم أميرال، شارك في معركة بريريال سنة 1806، وقاد فرقاطة في معركة الرأس الأخضر سنة 1831، كما شارك في معارك الصين والجزر الهندية وحرب الأفيون الأولى، وفي فبراير 1845 عين قائدا عاما للأسطول المتوسطي، لكنه استقال بعد فترة وجيزة لأسباب صحية، وتوفي سنة 1866.
7 ـ كان هذا في فترة حكم السلطان عبد الرحمان بن هشام الذي حكم ما بين 1822 و 1859.
8 ـ يقصد هنا حاكم طنجة المسمى محمد بن عبد الملك الذي قاد الحملة التأديبية على قرية إعزانن بسبب اعتراضهم مراكب الأجانب سنة 1856.

9 ـ جون دراموند هاي هو المبعوث فوق العادة للمملكة المتحدة لدى المغرب في القرن التاسع عشر، ولد عام 1816 في فالنسيان بفرنسا  حيث كان يعمل والده، تلقى تعليمه في مدرسة شرترهووس جنبا إلى جنب مع شقيقه الأكبر إدوارد هاي دراموند هاي، في سن الثامن و العشرين تقريبا تم إرساله إلى المغرب كمساعد للقنصل العام، أثناء اشتغاله بالمغرب أثبت حنكته و مهارته في نشاطه الدبلوماسي، حيث تميز بروح المبادرة و حب حرية التصرف، وهذا استمر دون انقطاع خلال مدة عمله كقنصل لأكثر من 40 عاما، حيث مكنه ذكاءه، و نشاطه، و معرفته الدقيقة للشخصية الشرقية من ممارسة قدر من النفوذ سواء مع حكومة بلده أو مع المغرب أو مع السكان من مختلف الفئات، في عام 1845، كما قام بدور وسيط في الأزمات التي كانت بين المغرب وكل من الدنمارك والسويد واسبانيا، و كذلك كانت له تدخلات و أدوار فعالة في الكثير من القضايا الدبلوماسية و السياسية الأخرى. 

حدود القوات البحرية البريطانية (الحلقة الأولى):


السفينة التجارية "الأخوات الثلاث"، قراصنة الريف
والسفن الحربية البريطانية (1):
تأليف: أندرو لامبرت
ترجمة: فريد المساوي

تقديم المترجم:
هذا الموضوع في الأصل هو فصل من كتاب جماعي شارك فيه مجموعة من الباحثين والمؤرخين الأنكلوساكسونيين نشر تحت عنوان: "القرصنة وجرائم البحر، دراسات تاريخية ومعاصرة"، وقد تناول كل فصل من الكتاب منطقة معينة من المناطق التي عرفت خلال فترة من فترات التاريخ بظهور أعمال قرصنية، كجزر الكاريبي وإفريقيا وجنوب شرق آسيا وغيرها، وبالنسبة لهذا الفصل وهو الحادي عشر ضمن ترتيب الفصول في الكتاب، فهو يتناول إشكالية ظهور أعمال قرصنة في منطقة أيت بويفار بالريف في منتصف القرن التاسع عشر، في فترة جد حساسة، حيث كان التنافس التجاري بين القوى الأوربية حادا جدا حول الهيمنة في البحر المتوسط ومضيق جبل طارق، جاء الفصل تحت عنوان: "حدود القوة البحرية البريطانية، السفينة التجارية (الأخوات الثلاث)، قراصنة الريف والسفن الحربية البريطانية"، وهو من توقيع الأستاذ المحاضر أندرو لامبرت(1)، المعروف كواحد من كبار الباحثين في مجال تاريخ البحرية البريطانية، وقد تناول فيه بالدراسة والتحليل الخيارات التي كانت أمام بريطانيا لحل مشكل القرصنة الريفية بما يتناسب مع الحفاظ على مركز الهيمنة في مجال التجارة، واحتكار الامتيازات التجارية مع المغرب، ودفع القوى الأخرى التي كانت لها نفس الأطماع وخاصة فرنسا، هل الحل هو القوة أم الضغط على المغرب لدفع التعويضات وقمع القراصنة وثنيهم؟ وإذا كان الخيار الأنسب هو استخدام القوة مع الريفيين فكيف تستطيع بريطانيا أن تخصص جزءا من قواتها البحرية لهذه القضية التي تتطلب وقتا، وقضاياها عبر العالم كثيرة ومتعددة، مع العلم أن الحملات التأديبية التي توجهت إلى المنطقة تفاجأت بالصعوبات الكثيرة التي تحول دون توجيه ضربة إلى القراصنة من شأنها أن تثنيهم عن تماديهم في أعمالهم.
فريد المساوي

السفينة التجارية "الأخوات الثلاث"، قراصنة الريف
والسفن الحربية البريطانية(2).
يعالج هذا الفصل رد الفعل البريطاني خلال القرن التاسع عشر على مشكل القرصنة على طريق تجاري متوسطي هام ورئيسي، ففي الوقت الذي كان فيه  قراصنة الريف مجرد مجموعة صغيرة مزعجة، فإن بريطانيا لم يكن بمقدورها أن توقفهم دون نشر قوات بحرية مهمة على الساحل، وهذا الخيار كان من شأنه فتح مجموعة من القضايا الخطيرة والمركبة في العلاقات بين بريطانيا وفرنسا وإسبانيا وكذا المغرب والجزائر وجبل طارق، قضايا تحب بريطانيا معالجتها منفصلة. وكان رد الفعل البحري الوحيد دون ذلك هو التصرف حين ضبط القراصنة متلبسين باعتراض إحدى السفن. وقد ثبت أن العقوبات المحلية من طرف الحكومة المغربية لم تكن حاسمة(3).
ما بين 1846 و1856  تم الاعتراض لثماني سفن على الساحل المتوسطي المغربي منها ستة بريطانية، واحدة فرنسية وأخرى بروسية: Ruth في 30 مارس 1846، طاقمها هرب، three sisters في 2 نونبر 1848 الطاقم هرب أيضا، violet 5/6 أكتوبر 1851، florat بروسية في دجنبر 1852، Cuthbert Young في 21 يونيو 1854 طاقمها هرب، jeune dieppoise فرنسية في 8 أبريل 1855، Livey في 2 ماي 1855 وطاقمها هرب أيضا، ثم hymen في 14 ماي 1856، إضافة إلى عدد كبير من الزوارق والخافرات الإسبانية التي احتجزت، وكانت موجة مماثلة من العمليات القرصنية حدثت سنتي 1834 و1835 أنهيت بتدخل عسكري من طرف سلطان المغرب.
حكومات بريطانيا وفرنسا وبروسيا تدارست خيارات ونطاقات استعمال القوات العسكرية البحرية، لكن المشكل في الأخير حل مرة أخرى من طرف القوات المغربية، وفي جانب آخر فالنتيجة قابلها صبر وتسامح من لندن وباريس، وفي ذلك خدمة للمغرب كعازل حيوي بين الجزائر كمستعمرة فرنسية والقاعدة الإستراتيجية البريطانية في جبل طارق، الدرس الذي نستخلصه من دراسة هذه القضية هو أن القراصنة كغيرهم من البشر يعيشون على البر، وعلى البر ينبغي زجرهم وثنيهم عن ممارساتهم، ولهذا فالقوات البحرية وحدها غير كافية لمحاربة القرصنة.
يتبع....
الهوامش:
1 ـ ولد أندرو لامبرت في نورفولك، بإنجلترا، حصل على درجة البكالوريا في القانون، ثم حصل على الماجستير والدكتوراه في تاريخ البحرية في قسم الدراسات الحربية، بالكلية الملكية بلندن، بعد الانتهاء من بحث الدكتوراه، اشتغل محاضرا في التاريخ الدولي الحديث من عام 1983 حتى عام 1987، و كذلك  مستشار في قسم التاريخ والشؤون الدولية في الكلية الملكية البحرية، في الفترة من 1987 حتى 1989، اشتغل محاضرا في الدراسات الحربية في أكاديمية ساندهيرست العسكرية الملكية، ومن عام 1989 حتى عام 1991، اشتغل في قسم دراسات الحربية في الكلية الملكية في لندن، ثم أستاذ في تاريخ البحرية، في الفترة من 1999 حتى 2001، وشغل مناصب أخرى كثيرة في نفس المجال، و منح له لقب الأمين الفخري لجمعية السجلات البحرية البريطانية من عام 1996 حتى عام 2005، وصديق الجمعية التاريخية الملكية. ويركز لامبرت في دراساته على التاريخ البحري والاستراتيجي للإمبراطورية البريطانية مند الحروب النابليونية إلى الحرب العالمية الأولى، والتطوير في وقت مبكر في مجال الكتابة التاريخية البحرية، وقد تناول في بحوثه مجموعة من القضايا، بما في ذلك التكنولوجيا و تأثيرها في التحولات التاريخية، التطورات السياسية، والأمن الدولي، إدارة الأزمات والصراعات و غير ذلك، كما كتب وقدم لهيئة الإذاعة البريطانية السلسلة التلفزيونية "الحرب في البحر" في عام 2004، في فاتح ماي 2014 حصل على وسام أندرسون من قبل جمعية الأبحاث البحرية على كتابه "بريطانيا ضد أمريكا في الحرب البحرية عام 1812".
2 ـ مما تجدر الإشارة إليه هو أنني ترجمت من النص الأصلي المتن فقط ولم أعد تثبيت الحواشي والإحالات الواردة فيه، و من أراد العودة إليها أو التحقق منها عليه مراجعتها في النص الأصلي.
3 ـ هذا ما كان يبدو للبريطانيين في البداية، و لكن الحقيقة أن المخزن كان يتهرب من قمع القراصنة، وربما كان هناك تواطؤ معهم، كما أن كل الحملات التأديبية الأجنبية سواء كانت بريطانية أو بروسية لم تستطع إيقاف الأعمال القرصنية، أما المخزن فإنه في الأخير هو الذي تمكن من ذلك بإرسال "حركاته" التي أبانت عن فعاليتها.




الجمعة، 17 مارس 2017

وثائق تكشف جانب من تاريخ دوار الكوف بحوز تطوان (القرن19)

وثائق تكشف جانب من تاريخ دوار الكوف بحوز تطوان (القرن19)
(أسرة كوفية في مواجهة نائب القنصل الإيطالي)
فريد المساوي

يعتبر دوار الكوف واحد من أقدم التجمعات السكانية بضواحي تطوان، وله تاريخ عريق ولكنه تاريخ مشتت ويحتاج إلى مجهود كبير في الجمع والترميم، فالتاريخ المحلي للقبيلة أو الدوار يمكن أن يلعب دورا مهما في إغناء التاريخ العام للبلاد أو "التاريخ الوطني". ويعتبر دوار أو مدشر الكوف واحد من دواوير القسم الساحلي من قبيلة حوز تطوان إلى جانب كل من القلالين، الملاليين، بني سالم، السرور، واد الليل، العنصر، بلوازن، البيين، الكوف (وفيها الكوف السفلي والفوقي حاليا)، واد زرجون، بوجميل، أكنان، الكدانة، عين ليين، وجبل زم زم. بينما يضم القسم الآخر من قبيلة الحوز وهو الحوز الصديني كل من: سمسة، اللوزيين، الدشريين، بني عمران، فندلاوة، صدينة، أواريروش، جعابق، العلاوية، الكدان، الريحانة، عجيبش، آكلا، ترانت، واد آكلا(محمد داود، تاريخ تطوان 11، ص 18).
والوثائق التي أقدمها في هذا المقال هي رسائل مخزنية من الأرشيف التاريخي لتطوان تتعلق بقضية سرقة فرسين في ملك الحاج محمد الخطيب خلال الثمانينات من القرن 19، وكان المتهمون في القضية أخوان من دوار الكوف، بل إن هذه الوثائق ـ وهنا الغرابة ـ تتهم أسرتهم بأكملها بالتواطؤ على امتهان السرقة، وهو ما يثير الكثير من علامات الاستفهام، هل ما حدث كانت سرقة بالفعل أم هو انتقام لأسباب أخرى؟ هذا السؤال يمكن أن يطرح للنقاش ولكن المشكلة أن المصادر لا تسعف للكشف عن جواب آخر، وبالتالي تبقى هذه الوثائق هي كل ما يتوفر في هذا المجال.
الوثيقة الأولى: أرشيف تطوان (مح 58/20):      
هذه الوثيقة هي نسخة من رسالة جوابية من قائد طنجة السيد عبد الصادق بن أحمد إلى الوزير المفوض لدولة إيطاليا بالمغرب بتاريخ 20 صفر عام 1306ه موافق 26 أكتوبر 1888، حول قضية سرقة كان اقترفها بعض من أهل الكوف دون تحديد هويتهم، في حق السيد محمد الخطيب، حيث سرقوا منه فرسين وقاموا ببيعهما لرجل يسمى الصادق، وهو من دوار "أدياز" التابع لقبيلة بني عروص، حيث يقول: "فاعلم أن الذين سرقوا الفرستين من الكوف وكان العامل بتطوان قبض منهم واحد تحت يده فأهل الكوف المذكورين يخلصون السيد محمد الخطيب متاعه، وإن كانوا باعوا ذلك لأحد في بني عروص فهما يتابعون فيه"( مح58/20)... ولتوضيح هذه المسألة خصوصا فيما يتعلق بأطراف الرسالة وعلاقتهما بالنازلة فإن تدخل المؤسسة الدبلوماسية الإيطالية كان سببه هو كون السيد محمد الخطيب هو من محميي دولة إيطاليا، وقد شغل منصب نائب قنصل الدولة الإيطالية بمدينة تطوان لسنوات عدة مند أن توصل من سفير إيطاليا بطنجة في 5 دجنبر 1884 بكتاب يسند فيه إليه النيابة عنه بتطوان(محمد داود، تاريخ تطوان 12، ص 331)، أما فيما يخص الطرف الثاني قائد طنجة آنذاك وهو عبد الصادق بن أحمد الريفي وهو من أسرة آل الريفي المعروفة لزمن طويل بتولي مناصب القواد والبشوات بتطوان ثم بطنجة، فسبب تدخله في هذه المسألة هو كون المعنيين بهذه السرقة باعوا مسروقهما بدوار أدياز وهو كان تابعا إداريا لأعمال طنجة، رغم أن هذا القائد كان يبدو وكأنه يريد التملص من القضية وأنه يتدخل فقط إرضاءا لبعض الأطراف كما أن اللصوص لا يستقرون في مكان واحد، إذ يقول في جوابه لمفوض إيطاليا: "والآن حيث كتبت لنا ها نحن نوجه صاحبنا بقصد البحث عنهم مراعة لجانبك لأن السراق لا قرار لهم تارة يكونون في بني عروص وتارة في غيرها"(مح58/20).
الوثيقة الثانية: أرشيف تطوان (مح 58/21):
هي رسالة من القائد عبد الصادق بن أحمد إلى نائب دولة إيطاليا بطنجة بتاريخ 27 صفر عام 1306ه موافق 2 نونبر 1888م، يخبره فيها أنه فيما يتعلق بالذين سرقوا الفرسين، وهذه المرة ذكرهم بالإسم العائلي حيث يقول: "فإن أولاد احميد الحوزية من الكوف الذين نهبوا فرسين اثنين للسيد محمد الخطيب وقلت إنهم ببني اعروص في مدشر أدياز..."(مح 58/21)، يخبره أنه وجه الخيل للبحث في قضيتهم واعترف أهل دوار أدياز بمعرفتهم ولكنهم رحلوا حين أحسوا أنهم مبحوث عنهم وقد تم إلقاء القبض على أمهم وأختهم بتطوان، "فلتعلم أني وجهت الخيل وراءهم وأجابوا آل أدياز أنهم كانوا عندهم حقا ولما بلغهم الخبر أن أمهم وأختهم قبضوا بتطوان فروا من عندهم ولم يقفوا لهم أثر والسارق ليس له قرار"، كما أرسل له رسالة آل مدشر أدياز في الموضوع ليطالعها، ويتضح من الرسالة أن القائد كان يريد أن ينفي عن نفسه أية مسؤولية في القضية، حيث تابع كلامه بأن "العهدة في هؤلاء الحوزية على عاملهم بتطوان فطالبه في ذلك وهو يتحقق معي هل بإيالتي أم لا"، وحتى لا يفهم من كلامه أنه يتهرب ولا يريد التعاون في القضية ختم الرسالة بقوله"ولا نخفي عليك حقيقة الأمر".
الوثيقة الثالثة: أرشيف تطوان (مح 73/33):
هي رسالة جوابية من عامل تطوان السيد محمد بن أحمد الخضر إلى نائب السلطان بطنجة الحاج محمد بن العربي الطريس يوم 9 ربيع الأول عام 1306هـ موافق 13 نونبر 1888م في الموضوع نفسه، وهذه الرسالة جاءت جوابا على رسالة نائب السلطان له بعد أن اجتمع هذا الأخير مع نائب إيطاليا وعامل طنجة وقرروا بيع أمتعة السارقين إن وجدت لتسديد ثمن المسروق لصاحبه، وقد جاء في الرسالة: "وافانا كتابك بأن أولاد احميد من مدشر الكوف نهبوا فرستين للسيد محمد الخطيب وباعوهما للصديق العروصي وتردد الكلام بينك وبين نائب الطليان وعامل طنجة واتفق رأيكم على بيع أمتعة الفعال التي بمدشرهم ويؤدى من قيمته ثمن الفرستين ولهم أن يرجعوا على الصادق..."(مح 73/33)، كما أن عامل تطوان كما يبدو من الوثيقة وجهت إليه مجموعة من الأسئلة في الموضوع من قبيل هل يملكون ما يمكن بيعه، وهل يوجدون ببني عروص أم بنواحي تطوان، وكيف باعوا الفرسين للعروصي المذكور... وكل هذا "لتنحسم مادة القضية" كما جاء في الوثيقة.
ففيما يتعلق بعرض أمتعتهم للبيع كان جواب عامل تطوان مخيبا للأمل، إذ أنه بعد أن بحث في مسألة ما لهم من أملاك وجد أنه لا يوجد شيء باسمهم حتى يتم بيعه وأن "لهم دارا مرهونة بيد الطيب الزواق في ستة وعشرين ريالا أدوا بها سرقة أخرى سرقوها قديما جدا وهي تساوي الآن 50 ريالا وغريسة على قاعة الحبس يساوي نصفهم الذي لهم 15 ريالا وليس إلا، ولا يفي ذلك بقيمة الفرستين".
أما ما وصله عن طريق عامل طنجة أن عامل تطوان قبض أمهم وأختهم، فإنه يوضح أنه قبض على أمهم وأخيهم وليس أختهم، ولكن القبض على أخيهم كان قبل هذه النازلة نظرا لكثرة ما اقترفه من السرقات والجرائم، أما أمهم فتم القبض عليها لتواطؤها معهم وإخفاء أخبارهم عن مسؤولي المخزن وكذلك عن عامة الناس، حيث جاء في الرسالة ما يلي: "قبضنا على أخيهم كان قبل الواقعة لما تعدد منه من الجرائم وتركناه بالسجن راحة للمسلمين منه ومن قبيح فعله وعلى أمهم لأنها المعينة لهم والمخبرة لهم بدسائس المسلمين وعندها يأوون حين يأتون من بني عروص خفية لنهز الفرصة في أموال الناس". أما عن مسألة مكان وجودهم فقد أكد له أن "قرارهم لا زال ببني عروص"، ومسألة كيفية بيعهم الفرسين للصديق العروصي فإنها لا تهم ولن تفيد في القضية.
وفي الأخير:
نلاحظ أن هذه الوثائق جعلت من هؤلاء المتهمين في هذه القضية سراقا وأن أخ آخر لهم كان بالسجن قبلهم بسبب كثرة سرقاته، وأن أمهم متواطئة ومتفقة معهم على امتهان اللصوصية، وهذا ما لا يمكن أن يصدق بسهولة لأن هذا ليس من شيم ولا تقاليد جبالة وخاصة منهم سكان البوادي، وحتى إن وجد شخص سارق فهي تكون حالة معزولة واستثنائية وتكون أعماله المقترفة مرفوضة من طرف العائلة وساكنة المدشر وقد يبادرون باتخاذ الإجراءات العقابية قبل المسؤولين المخزنيين.
بالنسبة للإطار التاريخي الذي حدثت فيه هذه النازلة فهي مرحلة دقيقة من تاريخ المغرب في أواخر القرن التاسع عشر، حيث عرفت الدولة الضعف على شتى المستويات وكثرت الحمايات القنصلية، حيث كان أغلب الذين يدخلون في حمايات الدول الأجنبية هم الذين يودون خدمة مصالحهم الشخصية، وحماية أملاكهم وعقاراتهم من تجار وإقطاعيين، وما دام أولئك المحميين لم يكن بوسع الدولة محاكمتهم وحدها من طرف القضاء المغربي بل تقدم بهم شكايات إلى الدول الحامية لهم، فإن الكثير منهم كانوا يخلقون الفوضى ويدعون تعرضهم للاعتداءات والسرقات وكانت قنصلياتهم تمارس ضغوطاتها على الدولة للحصول على التعويضات. في حين أن أغلب المغربة الفقراء الذين كانوا في الأصل رافضون لنظام الحماية القنصلية يعيشون حياة عسيرة، من جراء الفقر وتوالي سنوات الجفاف والمجاعات واكتساح الجراد لأراضيهم وانتشار الأوبئة.. أضف إلى ذلك مشكل تسلط المحميين، فهؤلاء الإقطاعيين الذين كانوا يملكون في المدن كل أسباب الرفاهية من تجارات ومناصب وعقارات كانوا كثيرا ما يخرجون أيضا إلى البوادي لامتلاك أراضي شاسعة بطرق ملتوية ولا شرعية ومزاحمة الفلاحين في الأراضي والمراعي، ولذلك كثيرا ما كان يدخل معهم الفلاحون في صراعات غير متكافئة، أما المخزن الذي كان بسبب ضعفه أداة طيعة في يد القوى الأوربية الطامعة فلم يكن بودة سوى اعتبار الرافضين للحماية القنصلية فاسدين والذين يدخلون في صراعات من الأجانب ومحمييهم فتانين.
إذن فموضوع هذه الوثائق في نظري لا زال يحتاج إلى الكثير من البحث والتنقيب، وأمام غياب المصادر الموضوعية أو المتنوعة في هذا الشأن فيمكن اللجوء إلى الرواية الشفوية والذاكرة الجماعية لأهل المنطقة، إن كانت لا تزال تحتفظ ببعض المعلومات حول هذه الفترات، وأتمنى أن يفتح هذا المقال شهية البحث والتقصي للمثقفين والباحثين وخاصة من أهل المنطقة لمواصلة النبش في هذه القضية علها تتضح أكثر وتفند مزاعم الوثائق الرسمية في هذا المجال. 
صور الوثائق المعتمدة:
الوثيقة 1:

الوثيقة 2:

الوثيقة 3: