الثلاثاء، 30 ديسمبر 2014

المخزن... لماذا أطلق على الجهاز الحاكم في المغرب

المخزن... لماذا أطلق على الجهاز الحاكم في المغرب

بقلم: فريد المساوي
       يعتبر المغرب البلد الوحيد في العالم الذي أطلق فيه اسم المخزن على المؤسسة الحاكمة ، أو الجهاز المركزي للدولة ، و كثيرا ما دارت نقاشات و كتابات حول الموضوع كظاهرة انفرد بها هذا البلد ، و عن أصل التسمية و سبب إطلاقها ، و لهذا بدا لي أن أدلي بدلوي في هذا النقاش دون زعم أنني أقدم جوابا كافيا أو تفسيرا شاملا و نهائيا للظاهرة . و بعيدا عن الخوض في بنيات المخزن أو النظام المخزني أو الدولة المخزنية لأنها أمور قد تؤدي بي إلى الانزلاق إلى خارج دائرة الاختصاص ، فسأحاول أن أوضح تصوري الخاص لظاهرة المخزن كمفهوم فقط و كيف و لماذا أطلقت على الجهاز الحاكم بالمغرب .
        حين نبحث عن المعنى اللغوي لمفهوم المخزن فإن أغلب المعاجم و القواميس ترجعه إلى الجدر الثلاثي خزن ، أي أن المخزن هو اسم مكان مخصص لخزن الأشياء من غلال و غيرها و لاحظت أن معجم المعاني أضاف عبارة " حكم المخزن " و فسرها بأنها مصطلح بالمغرب كان يطلق قديما على الأجهزة الإدارية للملك ، و في مجال السياسة و إدارة شؤون الدولة نجد أن في الدولة الإسلامية مند عهد النبوة و الخلفاء ( أمين المخزن ) (1) أو ( خازن بيت المال ) و لكن المفهوم كان يشمل جزء من الجهاز الإداري و ليس الكل ، و في الأندلس على العهد الأموي كانت هناك مؤسسة عليا أطلق عليها ( خازن المال ) و أخرى ( خازن السلاح ) (2) مع العلم أنه كان هناك فرق بين خزانة المال كمؤسسة لتدبير مالية الدولة و بيت مال المسلمين التي اقتصرت على أموال الأحباس و الأوقاف ، و مع الدولة العثمانية سنلاحظ أيضا وجود هاتين المؤسستين أو المخزنين فخازن المال تمثل في مؤسسة ( الدفتردار ) و خازن السلاح تمثل في ( مشير الطوبخانة ) ، و لكن هذه المؤسسات لم تكن تمثل كل الجهاز الحاكم في جميع الأحوال بل جزء منه .
        بالنسبة للمغرب فالملاحظ أن كلمة المخزن استعملت مند عهد الموحدين حيث ذكر البيدق (3) حين تحدث عن الغزوة الثامنة لابن تومرت و التي كانت إلى تزكورت حيث استحوذ على بعض العبيد فدفعهم إلى أتباعه و قال لهم خذوهم فهؤلاء " عبيد المخزن " ، ليصير في الفترات اللاحقة تدريجيا المصطلح الأكثر استعمالا حين الحديث عن السلطة المركزية و أجهزتها التنفيذية ( المخازنية ) .
       و من التعاريف التي أعطيت للمخزن في عصرنا هذا ما قدمه الأستاذ إدريس بوهليلة (4) من أنه " من فعل خزن بمعنى حفظ و ادخر ، و لما كان المال و السلاح و الأقوات مما يجب حفظه و ادخاره ...فإن من تمكن من الاستحواذ على المخزن بمعناه الاقتصادي و المالي و العسكري استحوذ على مصادر القوة " و كان له النفوذ و التحكم في الرقاب ، إذن هنا يبدو واضحا أن المخزن ليس فقط إطلاق اسم الجزء على الكل بل هو جمع فعلي للمفهومين المشار إليهما أي مخزن المال و مخزن السلاح ( القوة ) و اللذان يشكلان معا مصدر السيادة و الهيمنة .
       و إذا ما نظرنا إلى المجتمع المغربي التقليدي فإننا سنجد أنه كان لكل قبيلة مخزن يستعمل لخزن الفائض من الأقوات و الغلال و حفظها لسنوات القحط ، و كذا لحفظ ما تملكه القبيلة من السلاح لاستعماله في الدفاع متى دعت الضرورة إلى ذلك ، و في حالات كثيرة يكون هناك مخزن لمجموعة أو اتحادية قبلية ، و من البديهي أن يكون لهذا المخزن أي مستودع القبيلة مكان خاص به كبناء محصن و محروس بشكل دائم و كذلك هيئة تسيره و تضبط مداخيله و ما يوزع منه ، و قد أطلق عليه أسماء مختلفة منها ( أكادير ) " الذي يطلق على الحائط المدعم للفلاحة المجعولة طبقات بجنب الجبل و كذلك يطلق على القلعة و القصبة و بالأخص على المستودع المحصن الذي يخزن فيه أهل القرية أو القبيلة منتجاتهم و أمتعتهم " (5) و نفس المفهوم تقابله في الريف لفظة ( أجدير ) و في المعنيين معا أي الحائط الذي يحفظ المدرجات الزراعية من الانجراف و كذلك البناء المحصن الذي يستعمل كمستودع جماعي ، فالمعلوم أنه في منطقة أجدير بالريف كانت القلعة المنيعة ( ثمزماث ) أو المزمة التي كانت مخزن المنطقة في أزمنة ماضية ، كما استعمل أيضا اسم إغرم في مناطق أخرى في نفس المعنى و كذلك (ميدلت ) أو تميدلت و الإسم موجود في ليبيا بصيغة الجمع ( تيمدال ) للدلالة على المخازن التي يخزن فيها أمازيغ جبل نفوسة الحبوب و الذخائر (6) .
       و من هذا المنطلق فالمخزن المركزي في شكله التقليدي ـ أي قبل الاستعمار و دخول بعض المؤسسات الحديثة ـ ما هو إلا أحد المخازن القبلية المذكورة سيطر و هيمن على المخازن الأخرى و أخضعها وفق المبدأ الخلدوني في تكون الدولة من العصبية الأقوى و الأقدر على الهيمنة ، و بالتالي إضعاف باقي المخازن بفرض المغارم بالنسبة للقبائل الموالية و النهب عن طريق الحركات للقبائل السائبة لتجريدها كليا من وسائل القوة من مال و سلاح ، لأن هذا ما يمنح القوة للمخزن المركزي أولا بجمع المال و السلاح و احتكاره ثم بإضعاف العصبيات الأخرى و تكريس هيبة المركز و قوته و تفوقه . و من هنا يتبين أن المخزن كنظام حكم هو نتاج شمال إفريقي و مغربي على وجه الخصوص في شكله و في جوهره أفرزته التطورات التاريخية للنظم و التحالفات القبلية و التنافس فيما بينها حول الهيمنة و ضمان الاستمرارية في حين استورد اسمه من هياكل في مؤسسات الإدارة و التسيير في الدول الإسلامية الأخرى كما استعمل الدين في التأسيس لشرعية الحكم و السيادة ( المخزن الشريف ) . 
الهوامش :
1 ـ قطب إبراهيم محمد، النظم المالية في الإسلام، ط 4، الهيئة المصرية العامة للكتاب 1996، ص 20.
2 ـ شكيب أرسلان ، مأخذ لفظة مخزن و إطلاقها على معنى الحكومة ، مجلة المغرب الجديد ، ع 8 ، تطوان ، يناير 1936 ، ص ص 15ـ16 .
3 ـ أبو بكر بن على الصنهاجي المكنى بالبيدق، أخبار المهدي بن تومرت و بداية دولة الموحدين، دار المنصور للطباعة و الوراقة، الرباط 1971، ص 83.
4 ـ إدريس بوهليلة، تقييم الوثائق المخزنية حول هجرة الجزائريين إلى تطوان سنة 1830، ندوة تطوان و التوثيق، سلسلة أعمال الندوات 13، نشر كلية الآداب و العلوم الإنسانية بتطوان، 2007، ص 152.
5 ـ لغويات، مجلة المغرب، عدد شهر دجنبر 1936، ص 21.
6 ـ نفسه.