المخزن... لماذا أطلق على الجهاز الحاكم في المغرب
بقلم: فريد
المساوي
يعتبر المغرب البلد الوحيد في العالم الذي
أطلق فيه اسم المخزن على المؤسسة الحاكمة ، أو الجهاز المركزي للدولة ، و كثيرا ما
دارت نقاشات و كتابات حول الموضوع كظاهرة انفرد بها هذا البلد ، و عن أصل التسمية
و سبب إطلاقها ، و لهذا بدا لي أن أدلي بدلوي في هذا النقاش دون زعم أنني أقدم
جوابا كافيا أو تفسيرا شاملا و نهائيا للظاهرة . و بعيدا عن الخوض في بنيات المخزن
أو النظام المخزني أو الدولة المخزنية لأنها أمور قد تؤدي بي إلى الانزلاق إلى
خارج دائرة الاختصاص ، فسأحاول أن أوضح تصوري الخاص لظاهرة المخزن كمفهوم فقط و
كيف و لماذا أطلقت على الجهاز الحاكم بالمغرب .
حين نبحث عن المعنى اللغوي لمفهوم المخزن فإن
أغلب المعاجم و القواميس ترجعه إلى الجدر الثلاثي خزن ، أي أن المخزن هو اسم مكان
مخصص لخزن الأشياء من غلال و غيرها و لاحظت أن معجم المعاني أضاف عبارة " حكم
المخزن " و فسرها بأنها مصطلح بالمغرب كان يطلق قديما على الأجهزة الإدارية
للملك ، و في مجال السياسة و إدارة شؤون الدولة نجد أن في الدولة الإسلامية مند
عهد النبوة و الخلفاء ( أمين المخزن ) (1) أو ( خازن بيت المال ) و لكن المفهوم
كان يشمل جزء من الجهاز الإداري و ليس الكل ، و في الأندلس على العهد الأموي كانت
هناك مؤسسة عليا أطلق عليها ( خازن المال ) و أخرى ( خازن السلاح ) (2) مع العلم
أنه كان هناك فرق بين خزانة المال كمؤسسة لتدبير مالية الدولة و بيت مال المسلمين
التي اقتصرت على أموال الأحباس و الأوقاف ، و مع الدولة العثمانية سنلاحظ أيضا
وجود هاتين المؤسستين أو المخزنين فخازن المال تمثل في مؤسسة ( الدفتردار ) و خازن
السلاح تمثل في ( مشير الطوبخانة ) ، و لكن هذه المؤسسات لم تكن تمثل كل الجهاز
الحاكم في جميع الأحوال بل جزء منه .
بالنسبة
للمغرب فالملاحظ أن كلمة المخزن استعملت مند عهد الموحدين حيث ذكر البيدق (3) حين
تحدث عن الغزوة الثامنة لابن تومرت و التي كانت إلى تزكورت حيث استحوذ على بعض
العبيد فدفعهم إلى أتباعه و قال لهم خذوهم فهؤلاء " عبيد المخزن " ، ليصير
في الفترات اللاحقة تدريجيا المصطلح الأكثر استعمالا حين الحديث عن السلطة
المركزية و أجهزتها التنفيذية ( المخازنية ) .
و من
التعاريف التي أعطيت للمخزن في عصرنا هذا ما قدمه الأستاذ إدريس بوهليلة (4) من
أنه " من فعل خزن بمعنى حفظ و ادخر ، و لما كان المال و السلاح و الأقوات مما
يجب حفظه و ادخاره ...فإن من تمكن من الاستحواذ على المخزن بمعناه الاقتصادي و
المالي و العسكري استحوذ على مصادر القوة " و كان له النفوذ و التحكم في
الرقاب ، إذن هنا يبدو واضحا أن المخزن ليس فقط إطلاق اسم الجزء على الكل بل هو
جمع فعلي للمفهومين المشار إليهما أي مخزن المال و مخزن السلاح ( القوة ) و اللذان
يشكلان معا مصدر السيادة و الهيمنة .
و إذا ما نظرنا إلى المجتمع المغربي
التقليدي فإننا سنجد أنه كان لكل قبيلة مخزن يستعمل لخزن الفائض من الأقوات و
الغلال و حفظها لسنوات القحط ، و كذا لحفظ ما تملكه القبيلة من السلاح لاستعماله
في الدفاع متى دعت الضرورة إلى ذلك ، و في حالات كثيرة يكون هناك مخزن لمجموعة أو
اتحادية قبلية ، و من البديهي أن يكون لهذا المخزن أي مستودع القبيلة مكان خاص به
كبناء محصن و محروس بشكل دائم و كذلك هيئة تسيره و تضبط مداخيله و ما يوزع منه ، و
قد أطلق عليه أسماء مختلفة منها ( أكادير ) " الذي يطلق على الحائط المدعم
للفلاحة المجعولة طبقات بجنب الجبل و كذلك يطلق على القلعة و القصبة و بالأخص على
المستودع المحصن الذي يخزن فيه أهل القرية أو القبيلة منتجاتهم و أمتعتهم "
(5) و نفس المفهوم تقابله في الريف لفظة ( أجدير ) و في المعنيين معا أي الحائط
الذي يحفظ المدرجات الزراعية من الانجراف و كذلك البناء المحصن الذي يستعمل
كمستودع جماعي ، فالمعلوم أنه في منطقة أجدير بالريف كانت القلعة المنيعة ( ثمزماث
) أو المزمة التي كانت مخزن المنطقة في أزمنة ماضية ، كما استعمل أيضا اسم إغرم في
مناطق أخرى في نفس المعنى و كذلك (ميدلت ) أو تميدلت و الإسم موجود في ليبيا بصيغة
الجمع ( تيمدال ) للدلالة على المخازن التي يخزن فيها أمازيغ جبل نفوسة الحبوب و
الذخائر (6) .
و من هذا المنطلق فالمخزن المركزي في شكله
التقليدي ـ أي قبل الاستعمار و دخول بعض المؤسسات الحديثة ـ ما هو إلا أحد المخازن
القبلية المذكورة سيطر و هيمن على المخازن الأخرى و أخضعها وفق المبدأ الخلدوني في
تكون الدولة من العصبية الأقوى و الأقدر على الهيمنة ، و بالتالي إضعاف باقي
المخازن بفرض المغارم بالنسبة للقبائل الموالية و النهب عن طريق الحركات للقبائل
السائبة لتجريدها كليا من وسائل القوة من مال و سلاح ، لأن هذا ما يمنح القوة
للمخزن المركزي أولا بجمع المال و السلاح و احتكاره ثم بإضعاف العصبيات الأخرى و
تكريس هيبة المركز و قوته و تفوقه . و من هنا يتبين أن المخزن كنظام حكم هو نتاج
شمال إفريقي و مغربي على وجه الخصوص في شكله و في جوهره أفرزته التطورات التاريخية
للنظم و التحالفات القبلية و التنافس فيما بينها حول الهيمنة و ضمان الاستمرارية
في حين استورد اسمه من هياكل في مؤسسات الإدارة و التسيير في الدول الإسلامية
الأخرى كما استعمل الدين في التأسيس لشرعية الحكم و السيادة ( المخزن الشريف ) .
الهوامش :
1 ـ قطب إبراهيم
محمد، النظم المالية في الإسلام، ط 4، الهيئة المصرية العامة للكتاب 1996، ص 20.
2 ـ شكيب أرسلان ،
مأخذ لفظة مخزن و إطلاقها على معنى الحكومة ، مجلة المغرب الجديد ، ع 8 ، تطوان ،
يناير 1936 ، ص ص 15ـ16 .
3 ـ أبو بكر بن
على الصنهاجي المكنى بالبيدق، أخبار المهدي بن تومرت و بداية دولة الموحدين، دار
المنصور للطباعة و الوراقة، الرباط 1971، ص 83.
4 ـ إدريس
بوهليلة، تقييم الوثائق المخزنية حول هجرة الجزائريين إلى تطوان سنة 1830،
ندوة تطوان و التوثيق، سلسلة أعمال الندوات 13، نشر كلية الآداب و العلوم
الإنسانية بتطوان، 2007، ص 152.
5 ـ لغويات، مجلة
المغرب، عدد شهر دجنبر 1936، ص 21.
6 ـ نفسه.