بقلم فريد المساوي
يعتبر أوكست مولييراس واحدا من العديد من
الفرنسيين الذين كتبوا عن المغرب في القرن التاسع عشر من أنتروبولوجيين و جغرافيين
و سوسيولوجيين و علماء آثار و غيرهم و الذين كان يجمعهم هدف واحد وهو مد
الميتروبول الفرنسي بمعطيات عن المجال و السكان لخدمة أهداف الامبريالية الفرنسية
، في المغرب كما في غيره من البلدان ، و قد كان مؤلف أوكست مولييراس " المغرب
المجهول " الذي يتكون من جزأين الأول حول حول اكتشاف الريف و الثاني حول
اكتشاف جبالة ، و قد قدم لنا الأستاذ عز الدين الخطابي ترجمة عربية جيدة للجزأين
بالتتابع ، يعتبر هذا الكتاب تقريرا عسكريا أرسل إلى الحكومة الفرنسية بقصد
تشجيعها على احتلال شمال المغرب ، و في كل جزء من هذه الأجزاء و بعد مقدمة عامة عن
المنطقة التي يتناولها الكتاب ينتقل الكاتب للحديث عن قبائل المنطقة كل واحدة على
حدة مع التركيز على وصف الثروات و كل ما من شأنه أن يغري الفرنسيين و محاولة تقدير
القوة التي يمكن أن تجندها القبيلة من مشاة و فرسان ، كما تجدر الإشارة إلى أن
الكاتب لم يزر قط المغرب باعترافه شخصيا في مقدمة الجزء الأول من كتابه بل كان
مخبره محمد بن الطيب أو الدريوش و هو مواطن جزائري من بجاية كثير الزيارات للمغرب
و هو من كان يمده بالمعطيات و التفاصيل التي يحتاجها عن المغرب .
في هذه المقالة سأتناول قبيلة حوز تطوان
كما وردت في الجزء الثاني من " المغرب المجهول " مع الإشارة إلى أن
الكتاب صدر في نسخته الفرنسية في أواخر القرن التاسع عشر حتى يفهم القارئ السياق
التاريخي للمعطيات ، فبداية حدد الكاتب موقع القبيلة بين تطوان و سبتة مشيرا أنها
تقدم مجالا متنوعا من التضاريس و الأحراش و كثرة الصخور و الأبراج المهدمة التي
تذكر بمواقع القراصنة المغاربة القدامى ، مشيرا إلى أن الدريوش تاه فيها حين بات
فوق إحدى التلال القريبة من البحر ، و صادفه بعض الرعاة ، و هنا سيحدثنا عن عادة
أولئك الرعاة الذين كانوا يعترضون الفارين من سجناء سبتة المحكومين بالأشغال
الشاقة و يخرجون معلنين اعتناق الإسلام و يتم استقبالهم بحفاوة ، و لكنهم حين
يعترضهم الرعاة فإنهم يجردونهم من ثيابهم و يكملون طريقهم عراة إلى أقرب دوار ، و
لكن الدريوش حين رآه أحد الرعاة و صاح " يوجد إسلامي هنا " إشارة إلى
أولئك الفارين أقنعهم أنه من تطوان و يقصد أنجرة فضل الطريق ، كما بدا لهم من
حديثه أنه طالب و أوتي نصيب من العلم فطلبوا منه أن يمدهم بقطع من أفضل ملابسه
طوعا ثم ينصرف كما أرشدوه بأدب إلى الطريق أيضا .
أشار إلى أن الدريوش استقر بموضع القطوف
ليمسح القبيلة التي لا تتعدى ثلاث ساعات مشيا في كل اتجاه ، و أن القبيلة آهلة
بالسكان و بها بساتين البرتقال و الرمان و السفرجل و العنب إضافة إلى الحبوب و
القطاني و القنب الهندي ، كما أشار إلى مناخ القبيلة الدافئ صيفا و الرطب شتاءا و
أشار أنه بها عدة منابع مائية تمد حوض واد بوصفيحة الذي يسقي القبيلة من جهة بني
حوزمر ، و طعام القبيلة الغالب المتمثل في السمك و لحم الماعز و البقر . تمثل
الخياطة و الحياكة أهم مهن يمارسها الرجال في القبيلة ، بينما تشتغل النساء حسب
الكاتب في الخزف و الدعارة العلنية بتطوان ( يمكن ربط هذه المعلومة بمسألة اعتراض
الدريوش من قبل رعاة القبيلة حيث يرى بعض الباحثين أن هذا الدريوش في كل مكان
اعترض فيه لآذى يعمم الشر على القبيلة و يصفها ببعض الصفات القبيحة ) ، و أضاف
الكاتب أنه لا ينبغي لوم أولئك النساء فمقابل ذلك توجد عشرات الآلاف من اليهوديات
و النصرانيات يمارسن أقدم مهنة في العالم .
هنا و بمناسبة الحديث عن النساء ينتقل بنا
الكاتب ليتحدث عن منطقة جبالة بصفة عامة حيث يقول أن بين طنجة و غمارة العادات
ليست متشددة حيث النساء يخرجن بدون حجاب بل يكتفين بالزي البلدي الذي يتكون من
منديل ملون و فوطة تستعملها المرأة لعدة أغراض ، و من جبالة ينتقل إلى الحديث عن
المرأة في العالم الإسلامي بصفة عامة حيث انتقد نظرة الكتاب و الأنتروبولوجيين
الأوربيين إلى المرأة المسلمة ، و خاصة بيرون perron حيث قال إن المرأة المسلمة هي المتحكمة في بيتها كما
كانت في العصر العباسي بل و في العصر الجاهلي ، و قد أتى بأمثلة لتحكم المرأة و
تأثيرها في المجتمع من نماذج بالجزائر ( أولاد داود بناحية قسنطينة ) ، و سرد قصة
امرأة عجوز يستشيرها زوجها كبير الدوار في كل صغيرة و كبيرة بل و الدوار بأسره ،
كما لمح إلى أن تلك العجوز و اسمها خضرا اكتسبت تلك الهيبة بإتيانها الخوارق حيث أتى
بمثال حدوث كارثة تمثلت في فيضان كبير و كان الناس يتأهبون لمغادرة خيامهم نحو حصن
قديم بينما كانت هي تصلي و حين فرغت من الصلاة قالت لهم " ارجعوا إلى خيامكم
فالعاصفة ستهدأ عما قريب إن شاء الله " و ذلك ما تحقق فعلا بعد ربع ساعة ،
أما عن تعلم المرأة المسلمة فقد تحدث عن فاس ووجود الكثير من النساء المتعلمات بها
و خاصة امرأة اسمها العالية بنت الطيب بنكيران التي تدرس المنطق بدون مقابل بجامع
الأندلس ، لقد كانت تدرس الرجال عند الظهر و بينها و بينهم حجاب و تدرس النساء بعد
صلاة العصر ، و كانت تدرس في الأجرومية بشرح الأزهاري ، و أضاف أن أكثر النساء
بفاس يحفظن القرآن لكن لالة العالية تفوقهن بزيادة العلوم المعقولية ، ثم يخاطب
الكتاب الأوربيين : " تصوروا معي امرأة عربية تدرس المنطق ، و ما رأي
جغرافيينا و سوسيولوجيينا الذين يرددون أن العالم الإسلامي غارق في الظلمات ،
العالية لا تقوم بتحفيظ القرآن بالطريقة العقيمة التي نعرفها ، فالذكاء المغربي
بدأ يحلق في سماء العلوم و هو علم البرهان كما عرفه الرواقيون " .
سيعود بنا الكاتب إلى الحديث عن قبيلة
الحوز بمناسبة التطرق إلى موضوع الدرقاويين الذين عانوا من قمع المخزن على عهد الحسن
الأول لأنهم كانوا في تمرد شبه دائم ، و أتى من الأمثلة بنموذجي الهبري ببني
يزناسن و سيدي محمد العربي في مدغرة تافيلالت ، فألقي القبض على شيوخهم و منهم
الشريف عبد القادر بنعجيبة من قرية الزميج بأنجرة ، لقد كان الشريف يتجول في الحوز
و معه عشرون رجلا يجمعون التبرعات من الأتباع فالتقى بالدريوش في الكوف حيث كان
يستريح بعد جولة في القبيلة ، فحاوره و استقى منه معلومات عن درقاوة و الطرقيين
عامة ، و لكن الدريوش كان يجامله لعله يحظى بوجبة شهية معه حسب الكاتب ، حيث قال
له : " أيها الشريف رجال الله الذين يحبهم الله يكونون عرضة لحقد و افتراء
الناس " ، بعد النقاش المهذب بين الطرفين اتفقا على تصنيف الزوايا إلى ثلاث
أنواع : ( الطرقية الربانية ) تسعى فقط إلى تقريب الإنسان من الحضرة الإلهية ،
كأحمد التيجاني و عبد القادر الجيلالي ، و ( الطرقية الدنيوية ) و تعتبر نفسها مقربة
إلى الله و هي لا تحتقر العامة فقط بل الزوايا الأخرى أيضا ، و منهم درقاوة و
تهاميي وزان و الزيانيين ، و تهدف إلى إخضاع المسلمين و غير المسلمين لتعاليمها
الدينية و الدنيوية و لكن لم يعد لها تأثير روحي كبير على المغاربة ، و ( الطرقية
الحربية ) و هي تهدف إلى تكوين فرسان جيدين و رماة مهرة و منهم سيدي أحمد بن ناصر
و بن وقاص و يمكن أن نضيف إليهم عيساوة و حمادشة و أولاد سيدي أحمد أموسى
لاهتمامهم بالتداريب و الرياضة .
أما بالنسبة للقرى الرئيسية في قبيلة
الحوز فقد ذكر المؤلف أربعة و هي : الكف ( الكوف ) و تتكون من مائة منزل ، و
المنزل و تتكون من خمسين منزلا ، الكدية و تتكون من مائة منزل ، ثم أولاد جابر و
تتكون من و هي قرية بحرية كبيرة تتكون من ثلاثمائة منزل ، كما استدرك في الأخير و
أشار إلى وجود العديد من القرى و الدواوير على ضفاف البحر ، و تتكون القبيلة من
ثلاث أقسام هي : طرافة ، بني محمد ، و أولاد جابر . و قواها العسكرية ستمائة من
المشاة و القبيلة خاضعة للمخزن ، أما العدد المحتمل للسكان فهو 4200 نسمة .
يبدو أن المعطيات التي كانت لدى المؤلف
حول القبيلة يشوبها بعض النقص فمن الناحية الجغرافية رغم أنه أشار إلى المجال عامة
بين تطوان و سبتة و لكنه حين الحديث عن المنابع المائية قال تغذي حوض واد بوصفيحة
و لم يتحدث عن الكثير من المجاري بالقبيلة تصب في البحر المتوسط بمعزل عن واد
بوصفيحة و منها حوضي سمير و النيكرو و هي معروفة مند القدم و ذكرت بهذه الأسماء لدى
مؤرخي حرب تطوان و التي كانت قد مضت عليها بعضا و عشرين سنة و التي كانت القبيلة
مسرحا لها ، و هي حرب لم يشر إليها أيضا كحديثه عن بعض القبائل الأخرى ، و من
الناحية البشرية فبالإضافة إلى ما ذكره عن امتهان النساء للدعارة و هو أمر مشكوك
فيه ، كيف ذكر الكاتب أربعة مداشر فقط و أشار إلى وجود أخرى لم يذكر عنها شيئا ؟ و
نحن نعلم بوجود عدة مداشر في الحوز وجودها قديم جدا ، و هنا السؤال المطروح هل زار
الدريوش الكوف فعلا أم سمع عنه فقط ؟ لأنه لو كان زار قرية الكوف فعلا لعرف جيدا
باقي القرى القريبة منها و التي كانت آهلة بالسكان أيضا ، ثم التساؤل الآخر و
المهم هو كيف يقول الكاتب أن الشريف عبد القادر بنعجيبة كان درقاويا و قد ألقي
عليه القبض سابقا بسبب ذلك ، ثم يتفق مع الدريوش حول تصنيف درقاوة ضمن ما أسماه
" الطرقية الدنيوية " التي تحتقر العامة و تحتقر الزوايا الأخرى ؟ كما
ألاحظ إن إسهاب الكاتب في الحديث عن أمور تخص المغرب عامة و العالم الإسلامي أجمع
قد يفسر بالتعويض عن النقص في المعطيات التي تخص القبيلة بالضبط .
إذن كانت هذه قراءة متواضعة حول نظرة كاتب
فرنسي هو أوكست مولييراس إلى قبيلة الحوز كنموذج أو عينة من كتابه المغرب المجهول
الذي تحدث فيه عن كل قبائل شمال المغرب من الريف و غمارة و جبالة مع إبداء بعض
الملاحظات الأولية و أدعو الباحثين إلى المزيد من القراءات الجادة حول هذا النوع
من الكتابات على ضوء معرفتهم للمناطق التي تحدث عنها سواء مولييراس أو غيره من
المستشرقين ، و كذلك على ضوء معرفتهم لتاريخ تلك المناطق و أحوالها .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق