الحمد لله وحده و صلى الله على سيدنا و مولانا محمد و آله
قد كنت عرفتكم بطلب الفرنسيس بالقيام بمسئلة
البوليص بمرسى طنجة و العرائش و الرباط و الدار البيضاء و الجديدة و أما الصويرة و
أسفي فمسكوت عنهم و ذلك لعلة لأن الألمان
يقول بأنه لا يقبل أن يكون غيره حارسا بالمرستين المذكورتين هذا على فرض توزيع الحراسة على الأجناس إذا رضي المخزن بذلك لا سمح الله
و أما رأي الألمان في مسئلة البوليص هو أن المخزن يقوم بذلك بدون أدنى
تداخل من طرف الأجناس بأي وجه ليبقى مقام السلطنة و استقلال البلاد محفوظ حسبما
اعترف بذلك جميع الأجناس نعم إذا ظهر للمخزن أن يجلب بعض الأنفار من أوربا لترتيب
البوليص المذكور على النسق الأورباوي و يكون الأنفار المذكورون مختارون من رعايا
الأجناس الكبار و الصغار على حسب نظر المخزن و اختياره و المصلحة التي يراها لنفسه
فله ذلك و ليس لجنس من الأجناس حق في التداخل في أمر ذلك لا من بعيد و لا من قريب
سدا لباب الذريعة و حسما لمواد النزاع ، هذا كلام الألمان و أظنه يخرج عنه .
أما الفرنسيس فيقول إن الغرب مجاورا إليه و
مديون له في أموال لها بال و أن المخزن قد قبل منه الإعانة في الأمور المالية و
الحربية و احتج في ذلك بمكاتيب السيد عبد الكريم بن سليمان سيما المكتوب المؤرخ في
12 جمادى 1 عام 1322 إلى غير ذلك من الحجج التي هي أوهى من بيت العنكبوت طالبا
بمقتضى ما ذكر جعل البوليص بالمحلات المذكورة أولا ثم بفاس و مراكش تحت يده خاصة
أو بمشاركة الإسبنيول و ا لإيطاليان ، فل
يرض الألمان بذلك قابضا في كلامه الأول و هذا حد الكلام بينهما إلى هذه الساعة .
أما نظري و نظرك و نظر كل مسلم فإن المخزن لا
يقبل أي تداخل من الأجناس في أمر الحراسة و حفظ حيات الأمة لا من قريب و لا من
بعيد بأي صورة من الصور لأنه إذا تساهل بشعرة من نفوذه و سلطانه فإنه يفتح عليه
بابا لا يسده إلا يوم القيامة أما جلب بعض الناس و استخدامهم بصورة اختبارية على
أجل معلوم يرتبون فيه بعض الأمور حتى يفرج الله و يرحم المخزن بمن ينصح إليه و
يصلح له و يتقي الله فيه و في المسلمين
فلا بأس بذلك .
أما البنك المالي فإني لم نر في تيسره وجها
أبدا و كيفما كانت صورته فهي مضرة غاية و مخالفة للشرع المحمدي و من كان على غير
شرع فلا خير فيه و الأولى و الأنسب بل الواجب علينا هو خلاص الديون بأي وجه كان و
قطع الشرقات
(
الشركات ) من المراسي حتى لا يبقى للأجناس قول و أسباب تقوية
مداخيل المخزن و محصولاته كثيرة فليتأمل المتأمل في ذلك و عوضا عن جعل بيت مال
المسلمين بيد النصارى و حصر معاش المسلمين و كسبهم و منافع بلادهم في إرادة الغير فقد تعين على المخزن و الحالة
ما ذكر أن يكلف من رعيته من ينظر في أسباب تقوية بيت المال بالطرق المعروفة عندنا
أو المقلدة عن غيرنا و للمخزن أن يستعين ببعض آراء الأجانب العارفين بطرق الاقتصاد
و تنمية الأموال بدون تداخل الأجناس كما هو جار في سائر الممالك و كذلك مسئلة ضرب
السكة و تعديلها فكان من الواجب جعل ذلك على يد أناس تقات يأخذون حقهم و يتركون حق
المخزن لا كما وقع في هذه السنين الأخيرة على يد برونزويك من جهة و ڨودش من جهة و
هسنير من جهة و مكلين من جهة و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم و لا أحد
يغير المنكر فإلى متى و الكفر قد أحاط بنا اللهم فرج علينا و ارحمنا .
و قد سمعت أيضا و قرأت و تحققت بأن الأجناس
قد اتفقوا كلهم على أن يطلبوا من المخزن تكليفهم بجميع أنواع الأشغال العامة أعني
خدمة المعادن و الطرق و بناء القناطر و إصلاح المراسي و غير ذلك من المنافع التي
تحتاجها البلاد .
و القصد بذلك هو وضع اليد على نتائج المملكة
بحذافرها يوزعون ذلك بينهم و حسب المسلم فيه النظر بعينه و أما الطعام ففي فم غيره
.
و عليه فالواجب المحافظة على ما بيدنا و عدم
تفويته و إعطاء شيء منه لتبقى منفعته عندما تتيسر لأهل البلاد و للمخزن .
و إذا ظهر للمخزن استخراج بعض النتائج أو
إصلاح طريق أو مرسى من المراسي فإنه يعلن بذلك لسائر الأجناس و لا ينفذه المخزن إلا بشروط و بعد المناداة
عليه و إشهار بيعه ينفذ لمن تقف عليه الزيادة و يقبل شروط المخزن .
فهذه هي الصورة الوحيدة التي يكون عليها عمل
المخزن كما هو الواقع في سائر الممالك و أما تداخل النصارى في أمورنا بدعوى
الإعانة و المودة و حب الخير فهي حبائل شيطانية قد أمرنا الله بالبعد عنها و الويل
لمن خالف كلام الله ...
و قد كنت كاتبتكم في شأن الصندوق الخاص الذي طلبه الأجناس بإشارة نائب الإنجليز لوضع زوائد الأعشار التي
وافقوا عليها تحت نظرهم ثم صرفها على يدهم فيما يعود عليهم أو علينا نفعه و نبهتكم لما في ذلك من الضرر
العظيم لكونه يفتح علينا باب المراقبة الأجنبية و ينقص في نظر الأمة من عظمة
السلطنة و حقوق الملك المستقل إلى غير ذلك من المضار و الإهانات التي لا حصر لها و
لا حد فلتتأمل في ذلك و لا تغتر بأحد .
فليكن جواب المخزن على مسئلة الصندوق الخاص
بأن المخزن لن يقبل تداخل الغير في أمور بلاده و لا يرضى بمراقبة الأجناس لأمواله
نعم إذا ظهر للأجناس أن يبينوا للمخزن بعض المنافع العامة و الإصلاحات التي تلزم
بالمراسي فإن المخزن يتأمل فيها بعين الاعتبار و الذي يقبله من تلك الإصلاحات فإنه
يأمر بتنفيذه لا محالة و ينفذ .
و على كل حال إذا لم يرض الأجناس بهذا الجواب
و تعللوا فإن المخزن يرد عليهم تلك الزوايد و لا يقبلها منهم و ينفذ ما يقدر عليه
من الإصلاحات في بلاده من ماله الخاص إلى أن يظهر ما يكون فإن غالب الأجناس إذا
رأوا المعقول و الجد من المخزن و رجاله يتركون التعصب و التعنت للحصول على ما يفيد
الجميع .
و أما تداخل الأجناس في أموال الدولة ووضع
يدهم عليها أو على البعض منها بواسطة أو بغير واسطة فذلك لا يكون و لا يقبله
المخزن بوجه من الوجوه و لا يسمحه منهم لأنه يمس بحقوق السلطنة و يؤدي إلى ضياع
الملك و المملكة .
و قد تأملت فيما عرضه الألمان و الفرنسيس في
ما يخص البنك المالي ووجدتهما لا يصلحان
لصالحة فالفرنسيس أراد أن يدخل بالثلث في رأس مال البنك و الباقي يوزع بين الأجناس و تصرف البنك يكون على مدة
قدرها خمسة و ثلاثون سنة يقوم فيها البنك المذكور بسائر مداخيل المخزن و خارجه
بشروط هي مقررة عندكم لا تستحق أن تسمع فضلا عن أن يقبلها المخزن لأن في قبولها
الدخول تحت الحجر لأجل لا يعلم حده إلا الله تعالى .
و أما الألمان فيطلب أن البنك يكون تحت نظر
جميع الأجناس و رأس ماله يقوم به كل الأجناس
و المدة تبتدئ بخمسين عاما ، أعني لا نهاية لها ، و أعمال البنك المذكور هو
قبض مدخول الدولة و صرفه في المصالح العامة على يدهم و نظرهم و بموافقتهم إلى آخر
ما تعلمه فتأمل بارك الله فيك فإن الحياة على يد النصارى ممات .
و على كل حال إذا تعين و لزم و تحتم جعل
البنك بالمغرب لتعديل السكة فليكن البنك المذكور مغربي صرف أعني أن رأس ماله يقوم
به المسلمون و ذلك سهل و المخزن يعين لضبطه و القيام به من له خبرة بأمور التجارة
و قلب الأموال من ثقات المسلمين و لا بأس إذا استعانوا ببعض النصارى على ترتيب
البنك و تحسين إدارته بكيفية تصرف من بنوك أوربا فأنه إذاك يكون بنكا مغربيا
بالاسم و المسمى و أما جعل البنك بالنصارى و على يدهم فذلك هو
عين الضرر و الهلاك فتأمل و لا تغتر .
و قد سمعت بأن المخزن قد عرض على الأجناس
صورة في جعل البنك إن شاء الله تكن موافقة
لما ظهر لي و السلام في 3 محرم عام 1314 . ( 14 يونيو 1896 ) .
عبد الحكيم المزوغي
و منه الذي يظهر أن الألمان و الفرنسيس لا
يتفقان لا على البنك و لا على البوليص و
يبقى الأمر كما كان و ما شاء الله كان .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق