مدخل :
تعتبر الصحافة المكتوبة المتوفرة في الأرشيفات من أهم المصادر التاريخية
التي لا يمكن الاستغناء عنها بالنسبة للباحث في التاريخ , ذلك أن الصحافة في
الغالب تهتم بشتى قضايا و أحداث المجتمع , و لو أنها في الغالب تكون محكومة بخلفية
سياسية , إلا أن الباحث لا يغفل هذه الأمور فيقرأ الخطاب الصحفي في إطاره العام و
يجب أن يفهم بالضرورة الجهة أو الهيئة التي أصدرت الصحيفة التي يتعامل معها حتى
يتمكن من فهم أفضل لكل خطاب احتوته , و قد عرف شمال المغرب الصحافة في الحقبة المعاصرة و خصوصا الفترة الخليفية التي عرفت تنوعا نسبيا في هذا المجال , و كانت
من بين الجرائد التي صدرت بتطوان خلال الفترة الخليفية جريدة الحرية التي مثلت
لسان حزب الإصلاح الوطني , و ما دام هذا الحزب قد لعب أدوارا سياسية مهمة خلال
الفترة الخليفية , فلا بد أن تكون لجريدته الرسمية أهمية بالغة بالنسبة للباحث في
تاريخ المرحلة . على هذا الأساس كان اختياري لدراسة جريدة الحرية في هذا المقال المتواضع , و الذي قسمته إلى محاور مختلفة لإحاطة الموضوع بشتى جوانبه و لأبين
خطاب الجريدة حول مختلف الجهات مثل السلطة المغربية التي يمثلها السلطان
و خليفته بالمنطقة الخليفية ثم سلطات الحماية الاسبانية و كذا الحماية الفرنسية و الحركة
الوطنية و المجتمع المغربي .
1 ـ جريدة الحرية :
تعريف عام
تعتبر جريدة الحرية التي صدر عددها الأول بتطوان يوم الأحد فاتح محرم عام
1356 موافق 14 مارس 1937 صوت الوطنيين بالمنطقة الخليفية بامتياز , فهي لسان حال
حزب الإصلاح الوطني مواكبة له بتغطياتها لأنشطته و نضالاته و نشرها لعرائضه و خطب
زعماءه , و قد خصصت عمودا عنونته ب " أنشطة حزب الإصلاح الوطني " و الذي كان مخصصا لشؤون الحزب سواء في تطوان أو
في الفروع , و كان يدير الجريدة خلال السنوات الأولى لصدورها الأستاذ أحمد غيلان و
كانت إدارتها بعنوان رقم 23 شارع المصلى القديمة , أما المراسلات فقد كانت توجه
لها باسم لجنة الدعاية و النشر صندوق البريد 134 أما نشر الإعلانات فكان يتفق
بشأنها مع الإدارة 1 , و كان ثمن النسخة منها سنة 1937 مقدر ب 20 سنتيم اسبانية و
40 فرنسية , أما الاشتراكات و التي كانت الجريدة تشجع عليها باعتبارها دعما
للجريدة " لسان الأمة لا تستمد المعونة إلا من الأمة , فيجب على الأمة
تشجيعها بالاشتراك " 2 فقد كانت لمدة سنة ب 10 بسيطات اسبانية و 20 فرنكا
للمغرب الأقصى و الأوسط و الأدنى و لمدة نصف السنة بست بسيطات اسبانية أو 12 فرنكا
فرنسيا في البلدان المذكورة , أما في باقي الأقطار فكانت لمدة سنة ب 15 بسيطة
اسبانية أو 30 فرنك فرنسي و نصف السنة ب 9 بسيطات اسبانية أو 18 فرنك فرنسي . و
كانت تصدر أسبوعيا يوم كل أحد لكن في سنتها الثانية تحول الصدور إلى يوم الخميس .
لقد اعتمدت جريدة " الحرية " بالمنطقة الجنوبية السيد المهدي الزبيدي
وكيلا عاما يقوم بأعمالها و توجه إليه الاشتراكات و المستحقات المالية و كان
عنوانه بمكتبة الأطلس شارع الجزاء رقم 169 الرمز البريدي 1548 الرباط 3 . وقع إقبال
كبير على الجريدة أثناء ظهورها لأول مرة لدرجة أن العدد الأول نفذ رغم العدد
الكبير من النسخ التي طبعت منه كما تم الإعلان عن ذلك في العدد الثاني.
كانت جريدة الحرية تضع عناوين عامة لأعمدتها لتصنيف مقالاتها حسب المجالات
التي تتعلق بها و يكون عنوانا جامعا و ثابتا و إن تغير المحتوى من عدد لآخر , حيث
نجد الصفحة الأولى أو الافتتاحية تحت عنوان حديث الأسبوع , و من عناوين أعمدتها
شؤون محلية , أخبار حزب الإصلاح الوطني , صور الأسبوع , وصية الأسبوع ... و تميز
خطابها عامة بالجرأة و الالتزام بالقضية الوطنية و قضايا الأمة المغربية و الحث
على التعلم و النهضة الثقافية و الملاحظ أنها كانت توجه الكثير من النقد للسياسة
الفرنسية بينما كانت كتاباتها عن الإدارة في الشمال تتميز ببعض الليونة و هذا ما
سنتطرق له بتفصيل في المحاور اللاحقة .
2 ـ جريدة الحرية و الحركة الوطنية بالشمال :
ما دامت جريدة الحرية كانت تمثل لسان حال حزب الإصلاح الوطني كما أشرنا إلى ذلك
سابقا فقد كان من الطبيعي أن تواكب أنشطته و أخباره بشكل مستمر , فكل عدد منها إلا
و نجد فيه كتابات حول الحزب , ففي العدد الثاني منها بتاريخ 8 محرم 1356 الموافق
21 مارس 1937 نشرت الجريدة مقالا بعنوان " الوطنية و سلطة الحماية "
ملخصه أن الوطنية هو الشعور المقدس بقضية الوطن ظهرت بفضل طبقة من المثقفين
التواقين للإصلاح لكن ذلك اصطدم بوجود بعض ذوي المصالح الخاصة و الذين لهم تخوف من
الوطنية , و بالتالي ظهر تبادل المعارضة بين المتحفزين للتغيير و السلطة المحافظة
, و ما أن يظهر لدى السلطات الاسبانية ميل إلى التفاهم مع الوطنيين حتى ينقلب ذلك إلى
ضده فجأة , لينتقل الكاتب إلى تأكيد أن مصلحة اسبانيا في مساعدة المغرب و خسارتها
في تركه عما هو عليه , و أشار إلى أن اسبانيا تساهلت في كثير من الحريات و
المكتسبات للمغاربة لكن المهم هو ما يضمن استمرار التعاون , و أن مصلحة اسبانيا
تكمن في كسب صداقة المسلمين , و النية متوفرة لدى الوطنيين و الأمل أن تتوفر لدى الإسبان
أيضا من أجل التعاون 4 و في نفس العدد في الصفحة الثالثة أخبار عن حزب الإصلاح
الوطني منها أن اللجنة التنفيذية للحزب أضافت جلسة استثنائية لكثرة العمل بسبب
انكبابها على دراسة نظام الانتخابات , و من الأخبار أيضا إحداث لجنة الدعوة و الإرشاد
استكمالا لتنفيذ مشروع الحزب حول إصلاح الأمة , و منها أن لجنة المعارف قررت تنظيم
محاربة الأمية في فروع الحزب و ذلك باستدعاء أساتذة لإلقاء مجموعة من المحاضرات 5
. و في العدد الرابع الذي صدر بتاريخ الأحد 22 محرم 1356 الموافق 4 أبريل 1937
نشرت الجريدة بالصفحة الأولى بيان اللجنة التنفيذية لحزب الإصلاح الوطني حول
استقالة عبد الخالق الطريس من وزارة الأحباس 6 , و البيان يوضح أسباب استقالة الأستاذ الطريس
التي ترجع إلى وجود مجموعة من المشاكل منها تعيين الإدارة لأعضاء المجلس الأعلى
للأحباس دون أخذ رأيه كوزير , ثم عزل عدلين من نضارة تطوان بسبب خلاف لهما مع
الناضر دون موجب قانوني أو مهني دون استشارته أيضا , ثم كان هناك مشكل آخر يتعلق
باعتراض الحكومة على تعيين الغالي الطود ككاتب أول بنضارة القصر الكبير و طلبت
عزله بعد تعيينه, و في العدد السادس 7 كتبت الجريدة عن سياسة التفاهم بين الحركة
الوطنية و الوطنية الاسبانية مشيرة الى أن الحركة الوطنية المغربية حركة سلمية غير
ثورية و لا مسلحة , و لما رأت من الوطنية الاسبانية إظهار العطف و تقدير المصالح
المغربية و الرغبة في إنهاض المغرب و خصوصا عند ظهور بعض بوادر الوفاء , قابل
الوطنيين المغاربة ذلك بالرضا ولكن فجأة تغير الوضع الذي تجلى على شتى المستويات ,
فعمت لدى المغاربة خيبة الأمل , لكن يمكن للسلطات الاسبانية تدارك الأمر و إعادة الرضا
عن طريق سياسة التفاهم مع المغاربة بارضاءهم في حقوقهم , و في عمود أخبار حزب الإصلاح
الوطني بعدد يوم 27 صفر عام 1356 كتبت الجريدة عن قرار اللجنة التنفيذية للحزب
القيام بواجب الدعاية بمناسبة عيد المولد النبوي و ذلك بحفلات خطابية بمشاركة
جمعية الطالب المغربي و طلبة المعهد الحر 8 مع القيام باستعراض لفرق الفتيان , و تحت هذه
المقالة نشرت مقالة صغيرة حول تدريب الحزب فرق الفتيان تدريبا عسكريا و نجاحه في
ذلك , و في آخر العمود نشر نشيد الحزب من نظم الأستاذ الطنجي و مطلعه :
فتيان قومـــي..............هيا بعــــزم
نمضي فالنصر بين أيدينا
نسعى بحـزم...............نرقى بعلــم
آمال الاستقلال تحدونـا
و في عدد 16 مايو الذي وافق 5 ربيع الأول عام
1356 كتبت الجريدة عن نظرة الوطنيون في الشمال تجاه ذكرى الظهير البربري من تشهير
و انتقاد للسياسة الفرنسية , كما نشرت مقال حول مطالب الشعب المتعلقة بالسياسة
البربرية ومنها إلغاء هذه السياسة و توحيد نظام المحاكم و التعليم المغربيين و منع
المبشرين بالمغرب و عدم دعمهم من الأموال المغربية 9 و في نفس العدد بالصفحة
الثالثة و ضمن عمود أخبار الحزب كتبت الجريدة عن سفر عضوي اللجنة التنفيذية
التهامي الوزاني و محمد بن مصطفى أفيلال إلى فرعي العرائش و القصر الكبير لتفقد
أحوالهما حاملين معهم العديد من تعاريف الأعضاء , و في العدد الموالي كتبت الجريدة
10 تفاصيل التظاهرات التي نظمها الحزب رفضا للسياسة البربرية و ذلك في كل من تطوان
و العرائش و القصر الكبير . و في عمود أخبار الحزب في عدد يوم 6 يونيو من نفس
السنة 11 كتبت عن اجتماع اللجنة التنفيذية اجتماعا عاديا و تنظيمها للحزب حيث عينت
عبد الخالق الطريس رئيسا و هنئت الوطنيين بذلك , و في العدد نفسه نقرأ عن نشاط
نظمه الحزب أهدته فيه جريدة " الريف " العلمين الوطني و الجهادي و تمت
فيه ترقية بعض الفتيان إلى رتبة منظم ثاني , و بنفس الصفحة إشارة إلى سفر محمد بن
محمد الخطيب مساعد الكاتب في اللجنة الفرعية بتطوان لاستكمال الدراسة بالقاهرة
موفدا من طرف الحكومة و تعويضه بمحمد المسفيوي . و في العدد الرابع عشر 12 نقرأ
بالصفحة الأولى تغطية لحفل كبير أقامه الحزب بمسرح اسبنيول بتاريخ الجمعة 9 ربيع
الثاني عام 1356 مع إشارة إلى تساهل الحكومة في قضية بث الخطب عبر الراديو , هذا و
قد نشرت الجريدة الكلمة التي ألقاها عبد الخالق الطريس في ذاك الحفل حيث حث الناس
على العمل الوطني , و أشار إلى أهداف اللقاء و منها البرهنة أن الحزب قيد الحياة و
أن الاجتماع برهنة على إيمان ثابت و استعداد كامل للعمل الوطني و رغبة في التضحية
حيث قال : " الكلام هواء و إلى الهواء يسير و أن العمل عمل في الأرض يدوم , و
قيمة العمل على قدر ما يفيد المجموع 13 " . و في العدد الأول من السنة
الثانية 14 من صدور الجريدة نشرت الجريدة مقالا حول تضامن الحركة الوطنية الشمالية
مع الجنوبية في برنامج الاصلاحات المقدم ضمن " مطالب الشعب المغربي" حيث
اجتمعت اللجنة التنفيذية يوم الجمعة فاتح محرم 1357 للمصادقة على مطالب الشعب
تحضيرا لتقديمها للخليفة السلطاني ثم للمقيم العام خوان بيكبيدير و كلاهما استقبل
الوطنيين بالترحيب و تقديم وعود على التعاون من أجل تحقيق تلك المطالب , و في نفس
العدد نشرت رسائل التأييد 15 في تقديم المطالب و التي كانت من كل من لجنة العرائش
الفرعية و فتيان الحزب بالعرائش و أخرى من مجموعة من الفلاحين بالعرائش .
3 ـ جريدة الحرية و الإدارة بالمنطقة الخليفية :
أ ـ الخليفة السلطاني:
إن
علاقة جريدة الحرية بالإدارة عامة و بالخليفة السلطاني خاصة هي علاقة هذا الأخير
بالوطنيين و خاصة حزب الإصلاح الوطني لأن الجريدة كانت تعتبر لسانا لهذا كما أشرنا
إلى ذلك سابقا , إذ كان ما ينشر في الجريدة هي قناعات و مواقف النخبة الثقافية و
السياسية المنضوية تحت لواء الحزب و العاملة داخل هياكله و كانت مبادئ هؤلاء تتلخص
في الإيمان العميق بوحدة المغرب و بالتالي التفاعل مع الأحداث التي عرفها سواء في
الشمال أو الجنوب و يبدو ذلك جليا من خلال تضامن الجريدة مع كتلة العمل الوطني على
اثر المنع الذي تعرضت له سنة1937، 16 و كذا اجتماعات اللجنة التنفيذية للحزب أثناء
حدوث حادثة كبرى بالجنوب كالذي انعقد أواسط محرم عام 1356 و الذي غطته الجريدة إذ
كتبت " فالوطنية المغربية المتضامنة تهتم بالجنوب كما تهتم بالشمال لأن
المغرب وحدة لا تتجزأ و إذا تألم جزء منه سرى الألم إلى سائر الجسد " 17 ,
هذا و كانت قناعة الوطنيين الراسخة هي شرعية الأسرة العلوية التي يمثلها السلطان
الذي يعتبر رئيس المغرب الديني و السياسي و الذي ينوب عنه في الشمال , الذي اقتضت
الظروف جعله تحت الحماية الاسبانية هو الخليفة الشرعي الذي تعتبر له سائر حقوق
التمثيل, و كانت الوطنية تصرح بأنها تحارب كل أشكال الحكم المباشر من الإدارة
الاسبانية 18 و أي شكل يمس بسيادة السلطان و نفوذه أو خليفته و تمثيليته بالمنطقة
. و كانت الحركة الوطنية تقيم وزنا لخليفة السلطان بالمنطقة الخليفية و تعتز به
اعتزازا كبيرا ذلك أن مطالبها للإدارة كانت ترفعها للخليفة قبل رفعها للسلطات
الاسبانية مثلما حدث أثناء تقديم "مطالب الشعب المغربي " بعد تقديمها في
الجنوب من طرف كتلة العمل الوطني مع تغيير طفيف تأكيدا على تبني هذه المطالب و
شموليتها و كونها تعني المغاربة قاطبة سواء في الشمال أو الجنوب , حيث ألقى عبد
الخالق الطريس كلمة بين يدي الخليفة السلطاني 19 و عبر عن استعداد المغاربة
للتعاون مع الحكومة لخدمة الصالح العام , كما هنأ الخليفة على سفر ابنه لاستكمال
الدراسة في مصر , و هنأه على سلامة السلطان و شفاءه من مرضه , و برأس السنة
الهجرية و شكره على اتخاذه دينا رسميا للدولة , ثم قدم للخليفة نسخة من تلك
المطالب التي تسلمها الخليفة بسرور و ألقى الخليفة بدوره كلمة عبر فيها عن سروره
بتلقي تلك المطالب التي يتقبلها و سيعمل على دراستها الدراسة اللازمة لأجل العمل
على تحقيقها قائلا أنه يعلم ولا شك أنها تشتمل على إصلاحات تمس حاجة البلاد و هو
أحد أفراد الأسرة العلوية التي عرفت مند تربعها على عرش المغرب بإخلاصها و تضحيتها
في سبيل الوطن .
ب ـ الإدارة الاسبانية :
كان خطاب جريدة الحرية تجاه السلطات الاسبانية تطبعه الليونة و هدوء
الطباع عامة انسجاما مع توجه الوطنيين بالمنطقة الخليفية و خاصة حزب الإصلاح
الوطني حيث يرى الكتاب الذين تناولوا الموضوع أنهم كانوا على درجة من التوافق مع الإدارة
الاسبانية , فهذا عبد المجيد بنجلون يقول : " شاهدنا بالمنطقة الشمالية آنذاك
, تلاقي وجهات النظر , على الأقل ظاهريا بين المقيم العام الاسباني و حزب الإصلاح
الوطني " 20 أما محمد العربي المساري
إلى أن وثيقة كشف عليها عبد العزيز خلوق التمسماني في مركز الوثائق الدبلوماسية
الفرنسية في ننط , هي رسالة من رئيس المخابرات الاسباني مالدوناضو إلى
إدارة المغرب و المستعمرات في مدريد ورد فيها أن
نيابة الشؤون الأهلية كانت مهتمة بالانفتاح على الوطنيين , و أن بيكبيدير الذي
تولى فيما بعد منصب المندوب السامي الاسباني لحكومة فرانكو في تطوان ثم وزارة
الخارجية في مدريد , كان يتفاوض مع عبد الخالق الطريس الذي كان يشترط مقابل
التزامه الحياد في الحرب ضد الجمهورية الاسبانية أن يأذن له بتأسيس حزب الإصلاح
الوطني 21 أما ريزيت فهو يرى أن الحزب الذي تعود جذور تأسيسه إلى الحركة الوطنية
الأرستقراطية التي تزعمها عبد السلام بنونة و التي تحولت إلى حزب سياسي على يد عبد
الخالق الطريس عرف عدة تقلبات نتيجة لمواقف السلطات الاسبانية المتغيرة منه 22 . على كل حال فخطاب الجريدة يبدو لينا ويميل إلى
التفاهم مع الإدارة الاسبانية و يدعوها إلى التعاون , إذ نجد في العدد الثاني منها
أن السلطة الاسبانية كثيرا ما تميل إلى
التفاهم مع الوطنيين لكن أحيانا يحدث العكس فجأة في حالات لا تعتبرها الجريدة إلا
شخصية ينتجها بعض من ذوي المصالح و الذين لهم تخوفات من الوطنية , مؤكدة أن
اسبانيا تكمن مصلحتها في مساعدة المغرب و خسارتها في تركه عما هو عليه , ثم تضيف ,
و الواقع أن اسبانيا تساهلت في كثير من الحريات و المكتسبات , لكن المهم هو ما
يضمن استمرار التعاون , و مصلحة اسبانيا كسب صداقة المسلمين , مؤكدة أن النية في
التعاون متوفرة لدى الوطنيين و الأمل أن تظهر لدى السلطات الاسبانية أيضا 23 , و
في العدد السادس نشرت الجريدة مقال تحت
عنوان 24 "سياسة التفاهم " ملخصه أن الحركة الوطنية حركة سلمية لا ثورية
و لا مسلحة , و لما رأت من الوطنية الاسبانية إظهار العطف و التقدير للمصالح
المغربية , و رغبة في إنهاض المغرب , خصوصا عند ظهور بعض بوادر الوفاء , فقد قابل
المغاربة ذلك بالرضا , لكن فجأة تغير الوضع إلى عكسه و تجلى ذلك في شتى المستويات
, فعمت خيبة الأمل , لكن تؤكد الجريدة في هذا المقال الموقع باسم لجنة الدعاية و
النشر , أن السلطات الاسبانية لازال يمكنها تدارك الأمر و إعادة الرضا عن طريق
التفاهم مع المغاربة عن طريق إرضاءهم في حقوقهم . و يبدو أن المقيم العام الاسباني
بتطوان كان على درجة من التفاهم مع الوطنيين في أغلب الأحيان و يظهر ذلك جليا في
تساهل الإدارة معهم في كثير من الأمور فقد أشارت الجريدة أثناء تغطيتها للمهرجان
الخطابي الذي نظمه حزب الإصلاح الوطني بمسرح اسبنيول يوم الجمعة 9 ربيع الثاني عام
1356 الموافق 18 يونيو 1937 إلى تساهل السلطة و سماحها ببث خطب زعماءه عبر الراديو
25 . و عند تقديم اللجنة التنفيذية لحزب الإصلاح
الوطني ل " مطالب الشعب المغربي " للمقيم العام الاسباني بعد تقديمها
لخليفة السلطان في مارس 1938 , استقبل المقيم العام اللجنة استقبالا لائقا و حينها
أشاد بحزب الإصلاح و أكد أن له مستقبل زاهر , ثم عبر عن غبطته من المطالب المقدمة
باعتبار أن الحزب معين للحكومة على انجاز الاصلاحات , ثم أضاف شروحات مفادها أن
حزب استقلالي كحزب الإصلاح الوطني لا ينبغي أن يطالب بالاستقلال مباشرة و لكنه
ينبغي أن يعمل على تهيئ الظروف للاستقلال26
, أما عن المطالب المقدمة فقد قال انه
سيجيبهم عنها كتابة و سينظر فيما تتطلبه من نفقات و أعمال فنية ثم سيشرع في
تنفيذها ثم أشار إلى أنه يقدر التعاون الموجود مع أهم نخبة من المثقفين في المنطقة
الخليفية , و قد جاء في مقدمة المطالب المقدمة بالشمال أن تنفيذ الاصلاحات هو
المدخل لاستقلال المغرب الإداري و منه إلى الاستقلال التام الذي من شأنه بناء صرح
التعاون بين البلدين المغرب و اسبانيا , كما أنه من شأنه أن يكسب لاسبانيا عطف
العالم الإسلامي و يسجل في تاريخها أنها الدولة الوحيدة التي لم يغلب عليها الطمع
27 .
4 ـ جريدة الحرية و السياسة الفرنسية :
في مقابل الليونة التي نهجتها جريدة الحرية في خطابها تجاه السلطات
الاسبانية بالمنطقة الخليفية نلمس عكس ذلك تماما فيما يتعلق بالحماية الفرنسية , و
هذا طبيعي بالنظر إلى أن الاعتقاد الراسخ الذي ساد لدى الوطنيين المغاربة , الذين
في الواقع كانت الدفعة القوية لحركتهم هي حركة مقاومة الظهير البربري , أن الخصم
اللدود للمغرب هو فرنسا و أن وجود اسبانيا إنما هو مستمد من وجود فرنسا , فتم
التركيز على هذا المحور مند 1930 حتى 1953 , و ذلك في سياق خطة محكمة 28 , و في
شهر دجنبر من سنة 1936 " كان الطريس يؤسس حزبه )الإصلاح
الوطني
(و يوجه عمله بتركيز ضد فرنسا " 29 , و قد
لاحظنا في أعداد جريدة الحرية الكثير من النقد لسياسات فرنسا عامة و إدارتها في
المغرب بشكل خاص ففي العدد الرابع 30 نجد أخبار عن احتجاجات تضامنية مع كتلة العمل
الوطني التي تعرضت للمنع في الجنوب , و كذلك رفض السلطات لطلب تأسيس جمعية الرابطة
القروية , و كذا الجمعية التعاونية لسائقي السيارات المغاربة , و في العدد اللاحق
عادت الجريدة إلى الموضوع و أوضحت أن خصوم كتلة العمل الوطني استغلوا فرصة سفر
المقيم العام الفرنسي إلى فرنسا فبدأوا بإرساله الكثير من التقارير المسيئة إلى
الكتلة , و بعد رجوعه أمر بمنعها فتم المنع بقرار وزاري بناءا على مرسوم قديم ,
كما أشارت إلى أن قرار المنع بلغه المقيم العام مباشرة إلى الكتلة و لم يخف رغبته
في استعمال العنف , و أن القرار ذيل بفكرة مفادها أنه هناك خطة مدبرة لمناصرة
الفاشية 31 , و في عدد يوم 17 أبريل من نفس السنة كتبت الجريدة عن عما تداولته
الصحف في شأن حالة الجوع و البؤس بجنوب المغرب منتقدة الحلول الجزئية و الغير
كافية التي تقدمها الحكومة , كإعطاء البعض حفنات من الشعير أو بعض الفرنكات و إيواء
البعض في ملاجئ خيرية بينما الغالبية العظمى من الشعب في البؤس و الفاقة 32 , و في
الذكرى السابعة لصدور الظهير البربري كتبت الجريدة مقالا تحت عنوان " أمل
الوطنية إلغاء السياسة البربرية " نددت فيه بعناد فرنسا و إصرارها على عدم إلغاء
السياسة البربرية رغم ثبوت فشلها و استنكار العالم الإسلامي لها و كذا المؤتمر الإسلامي
الذي انعقد في القدس 33 كما تساءلت ألا تريد سلطات الحماية إلغاء هذه السياسة و
استبدالها بأخرى تؤدي إلى التفاهم و التعاون بين الحامي و المحمي من أجل الصالح
العام؟كما نشرت في نفس العدد مطالب الشعب المغربي التي تتعلق بالسياسة البربرية مشيرة
إلى الأمل الذي يعقد على حكومة الواجهة الشعبية و تتلخص تلك المطالب في إلغاء
الظهير البربري و توحيد نظامي المحاكم و التعليم و منع التبشير و عدم دعم المبشرين
سواء معنويا أو ماديا من أموال المغاربة , كما عادت الجريدة إلى موضوع الظهير
البربري في العدد الموالي أي يوم 23 مايو لتكتب تغطيات عن المظاهرات التي خرجت في
كل من تطوان و العرائش و القصر الكبير مع توجيه الكثير من النقد للسياسة الفرنسية
, و في 20 يونيو من نفس السنة كتبت
الجريدة مقالا حول إقدام السلطات الفرنسية بمراكش على منع الاحتفال بعيد المولد
النبوي و هددت أعضاء اللجنة التي كانت قد تأسست لتنظيم إحياء هذه الذكرى 34 . و
الواقع أن الوطنيين كانوا أحيانا يكتبون مقالات تتضمن نقدا حادا لفرنسا بدون
مناسبة فالطريس قال انه لا يروى من الكيل لفرنسا بقدر ما كالته للمغرب المفدى , محاولا
إبراز مكامن الضعف لفرنسا المتجلية في ضعف بنياتها الاقتصادية و الاجتماعية و
الأخلاقية و أن نماذجها التاريخية كالثورة الفرنسية و حروب نابليون نماذج شاذة 35
, مشيرا إلى أن واقع فرنسا الهش و الضعيف بدأ يفتضح مع ضعف العملة و تراجع العي
الجمعي و كون الجسد الفرنسي رهين الأمراض الجنسية , حتى تفاقمت الأزمة و كثرت
الاضطرابات الداخلية و بدأت تنفض عن فرنسا الدويلات التي كانت تأتمر بأمرها , هذا
و قد كانت هذه الكتابات التي تتناول موضوع فرنسا يغلب عليها النقد اللاذع و
عباراتها تعبر عن حقد كبير على فرنسا و السياسة التي كانت تنهجها في المغرب .
5
ـ جريدة الحرية و قضايا المجتمع :
كانت جريدة الحرية شديدة الاهتمام بقضايا الأمة في شتى مجالاتها و إذا كان
ذلك يندرج ضمن مجال اختصاصها كصحيفة فان نظرتها إلى تلك القضايا يدخل في إطار
المشروع الوطني الإصلاحي بشكل عام , و من القضايا التي أولت لها الجريدة الاهتمام
هناك قضية التعليم و محاربة الأمية , أوضاع الفلاحين و العمال , انتقاد انتشار بعض
الظواهر في المجتمع كالتبشير المسيحي و الدعارة و بعض البدع في مهرجانات استقبال
الحجاج و غير ذلك .
أ ـ التعليم و محاربة الأمية :
أولت الجريدة اهتماما بالغا لقضايا التعليم بالمنطقة الخليفية و كذا محاربة
الأمية التي كانت تأخذ المبادرة للقيام بها الحركة الوطنية , فقد أشارت في العدد
الثاني منها إلى إحداث حزب الإصلاح الوطني لجنة الدعوة و الإرشاد استكمالا لمشروع
الحزب المتعلق بإصلاح الأمة , كما أشارت إلى أن لجنة المعارف في الحزب قررت تنظيم
محاربة الأمية في الفروع و ذلك عن طريق استدعاء أساتذة لتنظيم محاضرات 36 , و في العدد الذي يليه , خصصت الجريدة صفحة
كاملة لقضية التعليم إذ جاءت فيها مقالتين في الموضوع الأولى موقعة باسم محمد ابن
الأبار و عنوانها " في التعليم " و ملخصها أن التعليم يعتبر ذا أهمية
كبرى في تقدم و رقي الشعوب , و لكن وضعية التعليم و المدارس و المناهج التعليمية
المغربية في حالة يرثى لها , فالإقبال بالعشرات في أمة تقدر بالملايين , كما أن التعليم
قائم على ملء الأدمغة و شحن الأذهان دون تكوين الملكات 37 و لا خطر على الأمة أعظم
من التعليم الناقص , ثم أضاف صاحب المقال أن التعليم الذي تنشده الوطنية لا زال
بعيدا و يتجلى في إصلاح المدارس المتوفرة و إنشاء ما يكفي منها , و منع أي تعليم
خارج ما ترضاه الأمة حتى لا تصبح الأمة موزعة النزعات و الأهواء , و يجب إيقاظ
شعور الشعب بأهمية العلم و خطر الجهل . و المقال الثاني معنون ب " في التربية
و التعليم " و فيه إخبار بعودة الفقيه داود مفتش التعليم بالشمال من مصر بعد
قضاءه أكثر من شهرين هناك للإطلاع على نظم التعليم و مناهجها لتطبيقها بالمنطقة ,
و أنه بعد قليل ستبدأ اجتماعات المجلس الأعلى للتعليم لدراسة ذلك , و يرى الكاتب
أنه يجب تربية الناشئة على روح قومية مستمدة من تاريخنا القومي و على روح الإبداع
و الرغبة في البحث و ليس بشحنه بالأفكار المفيدة منها و غير المفيدة . و في عدد
يوم 27 صفر من نفس السنة و تحت عنوان 38" الصراع بين النظام و الفوضى "
نشرت الجريدة مقالا حول المجلس الأعلى للتعليم الإسلامي الذي يتخبط في مجموعة من
المشاكل لأنه لا يتمتع إلا بصبغة استشارية
رغم الآمال التي علقت على حكومة ما بعد الانقلاب الاسباني لإصلاح أوضاعه , مع إشارة
إلى أن المجلس كان على وشك إصلاح حالته لولا دخوله في صراع مع طلاب مدرسة لوقش
الذين يريدون مجموعة من الامتيازات , و الذين هم في الواقع منقادون وراء مجموعة من
الفوضويين و لبعض الأشخاص المتصلين بإدارة الاستعلامات , و المسؤولية حسب الجريدة
ملقاة على سلطات الحماية فلو خولت للمجلس بعض الصلاحيات لاستطاع تدارك الوضع , و
في عدد يوم 12 ربيع الأول كتبت الجريدة عن مدرسة مرتيل الحديثة البناء أنها ستخصص
لأبناء الإسبان بدعوى أن المدرسة الاسبانية القديمة ستحول إلى مدرسة عربية اسبانية
و سيكون فيها أستاذ واحد للقرآن 39 بينما الجريدة ترى أنها من الأولى أن تكون
للمجلس الأعلى للتعليم الإسلامي . و في العدد 39 من السنة الثانية لصدورها نشرت
الجريدة مقالا لعبد الخالق الطريس حول زيارة قام بها وكيل وزارة المعارف لاسباني إلى
المغرب و لاحظ تردي أوضاع التعليم
بالمنطقة الخليفية و لابد أنه طالب سلطات الحماية بإعطاء شيء للتعليم بالمنطقة ,
ثم تساءل الكاتب عن الصيغة التي ينبغي أن يكون عليها هذا التعليم مؤكدا أن التعليم
الحديث يقتضي إدراج الثقافتين العربية و الاسبانية مع ضرورة الاستفادة من الأساتذة
الإسبان و من بحوثهم في مختلف العلوم و إدارة التعليم في حاجة أيضا إلى رأي
استشاري من رجال الدين و الفكر المغربي 40 . كانت هذه مجموعة من الإشارات التي
تبين اهتمام جريدة الحرية بقضايا التعليم بالمنطقة الخليفية .
ب ـ الأوضاع الاجتماعية و الاقتصادية :
كانت جريدة الحرية تهتم بشؤون الناس الاقتصادية و الاجتماعية و الكثير من
الأمور المتعلقة بالحياة اليومية , إذ نجد في العدد الأول أن شركة التعاون الصناعي
اتفقت مع شركة الكترا الاسبانية لكي تمدها الأخيرة بالتيار الكهربائي و لكن لم يكن
قد اتفق بعد على ثمن الكيلواط إذ طلبت الكترا 13 سنتيمم لكن الشركة المغربية طلبت
التخفيض لأن الأمر بتطوان لا يتطلب إلا إجراءات بسيطة 41 , كما أضافت أن سابقا
كانت شركة الكترا ترفض أي تعاون لأنها كانت تنظر إلى الشركة المغربية كمنافس
يزاحمها , و أوضحت الجريدة أن الصفقة ستستفيد منها كل الأطراف منها الشركتين و
الحكومة , و أن شركة التعاون الصناعي شرعت في تقوية الأسلاك و تعويض النقص خصوصا
عندما لمست لدى بيكبيدير رغبة في التعاون في هذا المجال . كما تابعت جريدة الحرية
ما تناقلته الصحف من حالة البؤس و الجوع التي كان عليها المغاربة في منطقة الحماية
الفرنسية في ربيع 1937، 42 و أوضحت أن الحلول الجزئية التي كانت تقدمها الحكومة
غير كافية , و كانت الصحف التي كتبت عن الموضوع كما أشارت ال ذلك جريدة الحرية هي
"الأطلس" و "الوضوح" , و في العدد السابع و ضمن عمود حديث
الأسبوع نشرت الجريدة مقالا باسم لجنة الدعاية و النشر بعنوان " الفلاح عنصر
الحياة في الأمة " 43 و هو قراءة في وضعية الفلاح المغربي السيئة و ما يعاني
منه من فقر و جهل و سطوة المعمرين الأوربيين مع الإشارة إلى اهتمام الحركة الوطنية
بوضعيته , و تذكر الجريدة بطلب الوطنيين من سلطات الحماية تحسين وضعية الفلاح و
صحته و تعليمه و دعمه بتسهيلات لتحسين نشاطه . و في العدد الحادي عشر كتبت الجريدة
تحت عنوان " قيمة العامل المغربي "44
عن التمييز في قيمة الأجرة بين العمال المغاربة و الأوربيين في محطة القطار بالقصر
حيث كان المغربي يتقاضى أربع بسيطات بينما يتقاضى الأجنبي خمس بسيطات , و رغم ذلك
الامتياز فقد وقعت في 15 مايو زيادة بسيطة و نصف للأجانب دون المغاربة مع أن
الشروط المبرمة تخول للعامل المغربي التمتع بما يتمتع به الأجنبي كما أشارت إلى
أنه ورد في مطالب الشعب المغربي المقدمة تسوية العامل المغربي مع الأجنبي في
الأجور .
ج ـ قضايا أخرى مختلفة :
و
من القضايا الاجتماعية التي اهتمت بها جريدة الحرية نجد فضح التبشير المسيحي فإذا
كانت " مطالب الشعب المغربي " قد تضمنت منع التبشير بالمسيحية و عدم
تقديم أي نوع من الدعم للمبشرين فان رجال و نساء الكنيسة كانوا فعلا يمارسون
التبشير , و من أمثلة ذلك ما كتبت عنه الجريدة في العدد السابع عن وجود فرع للتبشير
المسيحي تابع للكنيسة البروتستانتية بتطوان 45 حيث تقوم الأخوات البيض بتقديم
الدواء للنساء المغربيات مقابل إسماعهن آيات من الإنجيل , و مع عدم فعالية ذلك
لمدة طويلة صرن يعتمدن على حي سيدي طلحة الهامشي و استغلال ظروف الفقر و الجهل و
القيام ببعض أعمال الخياطة و صناعة العقد وسط نساء و أطفال الحي و تلقينهم
المسيحية في محاولة للتأثير عليهم ووجهت الجريدة نداءا إلى علماء الشريعة لإجراء
تحقيق في الموضوع .
و
من القضايا الاجتماعية كذلك ظاهرة انتشار الدعارة بين بعض المغربيات حيث فضحت قضية
ضبط أربع مغربيات متلبسات مع ضابط اسباني في زاوية بمحل يسمى " سنبلة الذهب
" مخصص لبيع الحلويات ظاهريا و يوجد بشارع المصلى القديمة 46 حيث عبر الكاتب
عن الغضب الذي تملكه حينما رأى المشهد و حسرته عن ما آل إليه الدين . كما كتبت
الجريدة عن موسم استقبال الحجاج بشفشاون عام 1356 و انتقت ذلك الوضع الذي تختلط
فيه النساء بالرجال على نغمات الطبول و المزامير 47 مشيرة الى أن مثل تلك المنكرات
يتخذ منها صورة يمثل بها للإسلام .
و
من القضايا كذلك نجد مقالا حول الأوضاع العامة بمدينة طنجة تحت عنوان " رسالة
طنجة " 48 يتحدث صاحبه عن كون طنجة مختلة أمنيا , و أنها أصبحت مأوى لكل
فوضوي مشاغب و مرتع لكثير من أنواع البوليس السري و العلني , حيث لكل دولة بوليس
بطنجة و لكن لا يخدم إلا مصلحة دولته , حيث ظهر أخيرا بوليس جديد طوال القامة و
بشوارب مفتولة يقال عنه أنه خصص للقبض على المغاربة ذوي المظاهر الفاشستية .
خلاصة :
نستنتج مما سبق أن جريدة الحرية التي كانت لسانا لحزب الإصلاح الوطني الذي
ضم نخبة من أهم المثقفين الوطنيين كانت تعبر عن مواقفهم تجاه مختلف القضايا التي
تهم القضية المغربية و المغاربة بشكل عام , كما كانت شاملة من حيث مجالات اهتمامها
, و لهذا فهي الآن تعد من أهم المصادر التاريخية للفترات التي كانت تصدر فيها فهي
تمكننا و تزودنا بالمادة المصدرية لتحديد موقف الوطنيين بالمنطقة الخليفية مع الإدارة
و السلطات الاسبانية و السياسة الفرنسية خاصة و أن الحزب يعرف عنه تركيز عمله مند
تأسيسه ضد فرنسا , كما يمكن الاعتماد عليها في استخراج المادة التاريخية للتاريخ
الاجتماعي و الاقتصادي للمرحلة مثل ما يتعلق بأوضاع العمال و الفلاحين و حالات الجوع
التي كان يعاني منها المغاربة من حين لآخر , و انتشار بعض الظواهر في المجتمع
المغربي كالتبشير المسيحي و الدعارة و بعض البدع المتعلقة ببعض الممارسات الموروثة
لدى المغاربة .
الهوامش :