الثلاثاء، 27 يناير 2015

حول السنة الأمازيغية والتقويم الزراعي إلى المسمى محمد أقديم


حول السنة الأمازيغية والتقويم الزراعي
إلى المسمى محمد أقديم


بقلم: فريد المساوي     

         يطل علينا في شهر يناير من كل سنة شخص اسمه محمد أقديم بمقالة حول السنة الأمازيغية يعيد نشرها كل مرة رغم أنه لا يقول فيها شيء، إلا إشارته إلى عبارة " كل المصادر الحديثة و الوسيطية و القديمة ، العربية منها و الرومانية و الإغريقية .. " دون أن يذكر مصدر واحد منها ضنا منه أن هذا كافي ليجعلنا نعتقد أنه مؤرخ وأنه اطلع على كل مصادر التاريخ الموجودة في الكون، ناسيا أن مستوى الشخص يظهر من كتابته ولغته وأسلوبه. ينتظر مناسبة رأس السنة الأمازيغية من كل سنة ليعيد نشر خربشاته من جديد ليقول أن السنة الأمازيغية و التقويم الأمازيغي مجرد خرافة، و أنها استحدثت في السبعينيات من القرن العشرين في الأكاديمية البربرية، مستغلا عدم وجود كتابات أرخت بتأريخ يوافق ذلك التقويم، و هنا يقول أن " شعوبا ما في إطار صعودها و نهَضاتها الحضارية في مراحل تاريخية معينة، عند ما وعت ذاتها الحضارية و تميزها الثقافي عن الآخر المعاصر لها أنذاك، تبنَّت و توافقت حول تقويم تاريخي ما، و وضعت له حدثا تاريخيا بارزا و مجيدا و فاصلا في تاريخها، كبداية لذلك التقويم "، و هنا لم يوضح لنا الكاتب طبيعة علاقة النهضة الحضارية بوجود تقويم مستقل لدى الأمم، و هل وجود تقويم مستقل لدى أمة معينة يدل على أنها عرفت نهضة حضارية بالضرورة؟ و هل كل الأمم التي عرفت نهضات حضارية عبر التاريخ وضعت تقويمات مستقلة خاصة بها؟ أنا لا أرى ذلك بحيث الكثير من الأمم التي بنت حضارات كبرى و شهد لها التاريخ بذلك تبنت تقويمات مستوردة فأدخلت عليها بعض التعديلات كتغيير بداية السنة و أيضا الشهور و لكن وفق النظام المستورد أو تعمل به كما استوردته، كما أن صاحبنا يعلم جيدا وجود أمما لم تكن لها حضارة يوما و هي أمم بدوية بطبعها و لكنها غزت أمم أخرى و قرصنت حضاراتها و رغم ذلك فهي لها تقويمها الخاص بها، و لعل المنتسبون لمثل هذه الأمم هم الذين يضنون بوجود علاقة بين التقويم المستقل و الحضارة بحيث كان هاجسهم الوحيد عبر تاريخهم هو تزوير تاريخ الأمم التي غزوها و طمس ذاكرتها و إذابتها في إطار سياسة احتوائية بشتى الوسائل ضنا منهم أنهم بذلك سيوهمون العالم للأبد أن الحضارة التي ينسبونها إليهم هي حقا لهم و هم بناتها و لكن هيهات، فإن الحقيقة تنقشع مهما طال الزمن، و ها هم اليوم يحسون بعوراتهم تنكشف، و أن حضارتهم الوهمية التي بنيت على الأكاذيب لم توصلهم إلى شيء بل جعلتهم في مؤخرة الركب الحضاري للأمم، و بالتالي بقي أمامهم شيء واحد هو العنف المادي و الفكري، ليفرضوا استمرار تصديق الأكاذيب التي نشروها عبر قرون تارة بربطها بالدين لإضفاء القدسية عليها و تارة بالرعب و قهر المخالفين.  و فيما يخص الوعي بالذات الحضارية و التميز عن الآخر المعاصر، هل يريد الكاتب بقوله أن يقول لنا الأمازيغ لم يعرفوا يوما ما الوعي بالذات و التميز عن الغير فقط لأنهم تعرضوا لغزوات متتالية من طرف الآخر جعلتهم يظلون في الهوامش في بلدهم؟ لو لم يكن هذا الوعي موجودا و لو بنسب متفاوتة فهل يتصور كاتبنا أن يكون الأمازيغ حافظوا بلغتهم و ثقافتهم و تميزهم لقرون عدة رغم مختلف أنواع التهميش و الإقصاء الثقافي الرسمي و الإبادة الثقافية؟ و كيف يفسر كاتبنا شعار ماسينيسا " إفريقيا للأفارقة " الذي تحدث عنه مختلف المؤرخين إن لم يكن وعيا بالذات و بالتميز الحضاري. يضيف صاحبنا: " ومما يبين عراقة هذه التقاويم و أصالتها التاريخية هو تأريخ الشعوب والأمم التي تبنَّتْها للوقائع و للأحداث التي عرفتها في مسارها التاريخي بهذه التقاويم، حيث استعملت أيامها و شهورها و سنواتها  في تدوين و توثيق تلك الأحداث و الوقائع، ولذا نجد مصادرها التاريخية  القديمة زاخرة بالوقائع و الأحداث التي أُرخت و وُثِّقَت بهذه التقاويم"، هنا أساءله هل تركت الأمم الغازية و من بينها العرب كتابات كتبها أمازيغ عن أنفسهم و تاريخهم حتى نرى إن كانت مؤرخة بهذا التاريخ أو ذاك ؟ سيكون جواب صاحبنا بالتأكيد أن الأمازيغ لم يكتبوا، أقول له لا لقد كتبوا و خلفوا كتابات و العرب أحرقوا كل ما وجدوه بصريح العبارة، و قد أشار إلى ذلك الحسن الوزان الفاسي في (وصف إفريقيا)، حيث قال أنه لما كان الحكم بيد المبتدعة الهاربين من أمراء بغداد أمروا بإحراق كل كتب الثقافة المحلية حتى لا تسود إلا ثقافتهم، و يؤكد لنا هذا أنها كانت تلك عادتهم، فقد فعلوا ذلك في العراق و فارس و كذلك في مصر، ثم إن كان صاحبنا لا زال لم يصدق مسألة الحرق، أطرح عليه سؤالا آخر هو كيف يفسر أن هذا الشعب كتب على الحجر نقائش كثيرة لا تزال منتشرة في ربوع شمال إفريقيا إلى اليوم و هي عملية صعبة تتطلب جهدا كبيرا و لم يكتبوا على الورق أو على رقاع الجلود إن كان الورق لم يعرفوه و هي عملية أقل صعوبة و مشقة، إن محاولة مجموعة من البدويين إتلاف تلك النقوش في السنوات الأخيرة لا أراه ينفصل عن ما تهدف إليه أنت بخربشاتك هذه، طبعا ما دامت الكتابات التي أشير إليها أحرقت و أتلفت للغاية نفسها التي تعمل أنت من أجلها اليوم و هي محاولة يائسة لإثبات أن هذه الأمة المسماة أمازيغ غير موجودة بل مجرد وهم، فمن الطبيعي أن تكون مكتوبة بلغة الغزاة ووفق تقويمهم بل وترتبط بتراثهم و أساطيرهم لأن ذلك جزء من الغاية المسطرة مسبقا و تأسيسا لها، فلا غرابة أن نجد بيننا اليوم من لا زال يصدق أن زعيما وهميا اسمه إفريقش جاء إلى هذه البلاد في زمن ما فسميت باسمه، أو آخر اسمه بر بن قيس عيلان، و رغم أن هذه الخرافات في تفاصيلها ما يثبت بطلانها و أن المصادر التي تحدثت عنها لا تفرق بيت التاريخ و الخرافات كما أنها تتحدث عن أمور غير معاصرة لها، بل عن فترات سبقتها بقرون و لم تثبت المصادر التي نقلت عنها، فإنهم لا يزالون يصرون على الإبقاء عليها و استحضارها إلى جانب الأبحاث العلمية بل أكثرهم يفضل أن يرجحها على غيرها لأنها هي التي تخدم مشروعه.
          فيما يتعلق بتخليد مناسبة السنة الأمازيغية الجديدة قال صاحبنا ما يلي: " إذ ليس هناك في المصادر التاريخية، لا القديمة و لا الوسيطة و لا الحديثة ، لا وجود في المصادر الفينيقية ولا الاغريقية و لا الرومانية و لا العربية، و لا في القرائن الأثرية لما يشير أو يوحي الى أن الأمازيغ قد سبق لهم أن أرخوا بهذا التقويم، الى غاية السبعينيات من القرن الماضي، حيث سيبدأ النقاش حول هذه المسألة في الأكاديمية البربرية بباريس. و ليس هناك و لو حدث تاريخي واحد أو واقعة تاريخة واحدة أرخت بهذا التقويم قبل التسعينيات من القرن الماضي" هنا أقول لصاحبنا أن اجتهادات الأكاديمية البربرية هي فقط محاولة إيجاد بداية تاريخية لهذا التقويم، و ليس كما تحاول أن تجعلنا نتصور و كأنهم هم من وضعوه أصلا، فهم لم يبدأوا بحوثهم واجتهاداتهم في هذا المجال إلا لأن التقويم وجدوه في المجتمع متوارثا عبر الأجيال، و مضبوط وفق التحولات المناخية المرتبطة بتعاقب الفصول والشهور وكان في كل مناطق المجتمع المغاربي قوامون يتقنون الحسابات المتعلقة بهذا التقويم و مناسباته و التي ترتبط أشد الارتباط  بالبيئة و التغيرات المناخية و بالتالي بالفلاحة، بداية و نهاية كل موسم من مواسمها و هو نفسه بما في ذلك يوم الاحتفال ببداية السنة في نفس اليوم في مناطق مختلفة و متباعدة عن بعضها البعض، و لا شك أن هؤلاء القوامين من الشيوخ و العجائز و بعض الفقهاء و الذين كنت أعرف شخصيا الكثير منهم لا يعرفون شيئا اسمه الأكاديمية البربرية. فهذا التقويم الذي كان مهمشا على المستوى الرسمي، و لكن على المستوى الشعبي هو الذي كان معمولا به أكثر من التقويم الهجري نفسه الذي لم يكن يتعدى دوره تتبع تواريخ المناسبات الدينية أما التقويم الأمازيغي فقد قاس عليه أجدادنا فترات الدورة الزراعية من حرث بفتراته حسب أنواع المزروعات و حصاد و جني مختلف أنواع الثمار و الغلات و أوقات تشذيب الأشجار المختلفة و غير ذلك، و جعلوا كل نقطة تحول من مرحلة إلى أخرى ترتبط بيوم معين من شهر معين من السنة حتى تكون العملية صحيحة و تعطي نتائج أفضل على المستوى الزراعي، طبعا مع تغليف ذلك بمجموعة من المعتقدات ذات الطابع الأسطوري التي يبدو من خلال محتواها أنها تعود إلى الفترات القبل إسلامية.
          أما قولك بأن هذه المناسبة تحتفل بها حتى البوادي العربية  بنواحي فاس و يسمونها حاكوزة، فهذا أكبر خطأ ارتكبته فمنطقة فاس ليست عربية لمجرد أنها تتحدث بالدارجة، و حتى إن كانت بها عناصر من أصول عربية هلالية أو غيرها فثقافيا هي أمازيغية مغربية، بمعنى الاحتفال بحاكوزة لم تستقدمه معها العناصر العربية المهاجرة من المشرق، بل وجدته هنا في المغرب مند العصور الغابرة، و صارت تخلده مع مرور الزمن، كعادة شعبية كانت منتشرة سواء عن وعي بمغزاها أو عدم الوعي، و نفس الشيء ينطبق على بوعياد صاحب اليومية الشهيرة، الذي قلت أن كونه فاسي يعني أن هذه المناسبة لا ترتبط بالضرورة بالأمازيغ، فهذا عجب تتحدث عن المناطق المعربة في المغرب و كأنها مناطق عربية أصيلة، و هلا حدثتنا عن مناطق احتفال عرب الجزيرة العربية بحاكوزة أو أمغار.   
          فيما يتعلق بكلامك عن المؤرخين و الشخصيات البارزة في ذلك التاريخ القديم و التي قلت عنها أن البعض ينسبها إلى الأمازيغ باطلا، ألاحظ أنك لم تأتي بأي معطى تاريخي أو حتى حسب نظرك إلى من ينتسبون، ربما ينتسبون إلى الهنود الحمر، إلى من سينتسب في نظرك من ولد و ترعرع في شمال إفريقيا و لم يعرف عنه أنه من الشعوب الوافدة كالرومان مثلا؟ هل علينا في نظرك أن نبحث بكل الطرق و الوسائل عن أي كان و ننسبهم إليه، المهم أن لا ننسبهم إلى الأمازيغ؟ أهذا هو المقصود؟ أم أن المعيار هو اللغة التي استعملوها في الكتابة؟ بمعنى ما داموا استعملوا اللغة اللاتينية أو الإغريقية لأنهم درسوا في بلدان أجنبية أو درسوا تلك اللغات في مدن ليبية خلال فترات الاستعمار فلا يجوز اعتبارهم أمازيغ، أقول لك هذا الفهم لا يوجد إلا في عقلك و عقول أمثالك ممن كذبوا علينا طوال الوقت باعتبار أمثال ابن خلدون و ابن رشد و الشريف الإدريسي و غيرهم عربا لمجرد أنهم كتبوا باللغة العربية، و كذلك الملوك و السلاطين و الزعماء السياسيين أمثال ابن تاشفين و ابن تومرت و غيرهم.
          فيما يخص قولك " بل أكثر من ذلك أن تلك المعركة التي  جُعِلَتْ بداية لهذا التقويم المُخْتَلَقُ ، والتي خاضها الملك شوشانغ الليبي (الأمازيغي )، و التي هزم فيها الفراعنة ،و التي  وقعت سنة 950 قبل الميلاد، لم ترد في أي مصدر تاريخي بهذا موثقة بهذ التقويم على الاطلاق"، أراك و أنت ( المؤرخ ) المطلع على كل مصادر التاريخ، تتحدث عن معركة هزم فيها شيشونغ الفراعنة، فما المصدر الذي ذكر هذه المعركة أصلا سواء كان مؤرخا بالتقويم الهجري أو الكريكوري؟ أراك هنا سقطت في نفس الأخطاء التي يسقط فيها بعض الهواة من الأمازيغ نتيجة التسرع و التي تستغلها لكتابة مثل هذه الخربشات، فحسب معلوماتي المتواضعة فشيشونغ لم يصل إلى حكم مصر عن طريق معركة بل ظروف غامضة بدأت بتكاثر العناصر الليبية في مصر إما كمرتزقة في الجيش أو كأسرى كما يحتمل حسب البعض وجود هجرات بسبب فترات الجفاف في المناطق الليبية القريبة من مصر، فالنقوش المكتشفة من طرف أوجست ماريت في معبد سرابيوم في القرن التاسع عشر لم تشر إلى معركة بل تحدثت عن سلسلة من أنساب الليبين الذين عاشوا آنذك بمصر و المنتسبون إلى الجد بويو واوا فتارة تذكر أحد زعمائهم كزعيم المشواش العظيم و تارة تذكر آخر ككاهن للإلهة تانيت كما ذكرت أن أحدهم استعمل سلطة دينية في المجتمع المصري حيث كان يطالب من المسؤولين إقامة بعض الطقوس لأن الآلهة تطلب منه ذلك فيكون له ما يشاء و ذكرت بعضهم كملوك، أما كيفية وصولهم إلى السلطة ففيه اختلافات و نظريات كثيرة، في حين تتفق بعض النقوش مع ما ورد التوراة ( ملوك 14/25-28) بأن شيشنغ غزا فلسطين بجيش كبير من الليبيين و النوبيين و الكوشيين و غيرهم في عهد رحبعام بن سليمان و نهب كنوز الهيكل، و قد دمر القدس و سبا الناس من هناك كما غنم الكثير من الكنوز الذهبية كالأتراس و غيرها. فيما يتعلق بجعل التقويم الأمازيغي يبدأ من حدث وصول شيشونغ إلى الحكم في مصر مبني على اجتهاد فقط ذلك أن الباحثين في هذا المجال تبين لهم أن هذا التقويم الذي تعمل به كل مناطق الأمازيغ بطريقة دقيقة و مضبوطة كما أشرت يوجد في شمال إفريقيا منذ أزمنة قديمة، و يرتبط بالتنجيم والفلك البدائيين اللذان كان الأمازيغ من السباقين إليهما، فقد أشارت إلى ذلك الكثير من الكتابات القديمة خلافا لما يدعي مؤرخنا، ابتداءا من حديثهم عن أطلس ملك الليبيين الذي برع في علم الفلك و الذي أكرم هرقل بتعليمه مبادئ في هذا العلم، كما أشار الشاعر فرجيل إلى المغني المنشد أيوباس الذي علمه أطلس ذاته الغناء فكان يغني عن القمر و مسيره الى مستقره وعن الرجال ووحوش الفلاة وعن توابع النجوم وعن الدب الأكبر و الدب الأصغر و عن شمس الشتاء و سرعتها إلى الغروب في المحيط و عن ليالي الشتاء و طولها الممل، ولكن الأكثر وضوحا في الإشارة إلى التقويم هو ديودور الصقلي الذي أشار إلى أن الأطلسيين يعتقدون أن أورانوس هو أول من حكم بلادهم، وقد فتح كل البلاد المسكونة خاصة في الغرب والشمال، وكان يتأمل النجوم ويبشر بالأحداث التي ستجري في الكون، وعلم قومه حساب السنة تبعا لحركة الشمس، وحساب الشهور اعتمادا على حركة القمر، وعلمهم كذلك دورة فصول السنة، وهكذا فإن جهل الناس للنظام الأبدي للنجوم، وتأكدهم من صحة تنبؤات أورانوس بالمستقبل، كل ذلك جعلهم يتخذونه إلها.
           إذن فقد يخطئ الذين جعلوا حدث حكم شيشونق لمصر كبداية للتقويم الأمازيغي و لكن ذلك لا يعني أبدا أن هذا التقويم غير موجود أصلا، أو أنه تقويم وهمي كما تدعي لمجرد أنه طمسه أمثالك لمدة قرون أو جاهلون به و بما يتعلق به، كما يجب أن تعلم أن الجوهري في التقويم ليس فقط في نقطة بدايته و في الحدث الذي يخلده، فالتقويم الأمازيغي قد يعود إلى حدث آخر قبل الحدث المذكور أو بعده و لكن ما دام لا يبدو هناك حدث قد يضاهي الحدث المذكور جاز لنا اعتباره كبداية لهذا التقويم إلى أن يثبت العكس، إن ما هو مهم و جوهري في التقويم هو أنه قبل كل شيء تدبير الإنسان للزمن و تنظيمه و تنظيم حياته و نمط عيشه تبعا لتغيرات ذلك الزمن، خاصة ما يتعلق بالتغيرات الطبيعية و المناخية و ما يترتب عنها، فبالنسبة للتقويم الهجري مثلا نقطة بدايته التي هي هجرة الرسول إلى يثرب و لكن هذه النقطة لا تؤرخ لظهور التقويم القمري لأول مرة و أنه وضع خصيصا لتخليد هذا الحدث كما قد يعتقد البعض، بل هي فقط بداية التأريخ لحدث الهجرة وفق التقويم القمري الذي كان معمولا به من قبل في الجزيرة العربية و بعض مناطق الشرق الأوسط كالعراق وغيره والمرجح أنه يرتبط بعبادة الإله سين إله القمر التي كانت منتشرة في الكثير من مناطق الشرق الأوسط القديم. أو أن الذين يخلدون السنة الأمازيغية يؤسسون لهوية وهمية كما تدعي فالهوية الوهمية هي القائمة على إدماج هويات الآخرين و إذابتها و التنكر لها و الكذب على التاريخ لأغراض عنصرية فاشلة، فالكل سينكشف و بالتالي سيمسخ إلا الحقيقة فإنها تنكشف فتزداد عزة و مجدا، و تقول بدون خجل أنهم يبنون لمجد تاريخي وهمي بدون أبطال حقيقيين، لأنك تعتقد أنك لا زلت في الزمن الذي كان فيه الكل يصدق قرطقاتكم، هذا التاريخ موجود و ليس وهميا و أبطاله هم أمثال شيشونق و أدريكان و يارباس و ماسينيسا و يوبا و تاكفاريناس و يوسف بن تاشفين و ابن تومرت و غيرهم كثير انتهاءا بمحمد بن عبد الكريم و موحا أوحمو الزياني و غيرهم، فهؤلاء أمازيغ و تاريخهم تاريخ الأمازيغ، و الذين تحدثت عنهم لا يحاولون تغيير التاريخ عن مجراه بل يعيدونه إلى مجراه الحقيقي بعدما حاول المدلسون قرصنته و انتشاله من أهله الحقيقيين و نسبوه إلى غيرهم.              
         أخيرا أقول للمسمى محمد أقديم مخطئ من يظن أن كل جاهل فاشل لم يستطع أن يجد موطئ قدم بين إخوته بالكتابة عن القومية العربية و أمجاد العرب، أو عن نظرية المؤامرة المعروفة، لأن أقرانه سبقوه إلى ذلك كما أن تلك الكتابات لم تعد تساوي شيئا بعدما بدأت تنكشف للعيان ثغراتها وخرافاتها وأباطيلها، فيظن أن القضية الأمازيغية فرصة للظهور لمن يريد الكتابة فيها ويسبح فيها عكس التيار، فقط بقراءة بعض المقالات ومحاولة الظهور بمظهر المثقف أو المؤرخ، فقد حاول ذلك كثيرون من قبل فلم يستطيعوا الصمود، و كان مصيرهم مزبلة التاريخ إلا من تاب، لأن القارئ الأمازيغي اليوم لم يعد هو ذاك الذي يبلع ما يقدم له دون مضغه، بل هو قارئ يقرأ ما في السطور و ما خلفها، فمقالك كله بما فيه من خربشات نجح في شيء واحد وهو الكشف عن الدوافع التي دفعتك إلى كتابته و هو حقدك على كل ما هو أمازيغي نظرا للصحوة التي يعرفها الأمازيغ في هذه السنوات و قطعهم أشواط كبيرة في تصحيح الكثير من المغالطات، بعدما كان كل العالم ينظر إلى شمال إفريقيا باعتباره مغرب عربي دون نقاش، في حين أن اليوم الكل أدرك أن ذلك لا يختلف عن اعتبار الإسبان من الأشبان نسبة إلى بني شيبان و الرومان بلاد الرمان و البرتغال بلاد البرتقال و غير ذلك من الترهات التي ترى العالم كله تفرع من قرية في صحراء الجزيرة العربية، و هي أمور تعتبر من المضحكات. و لهذا فأنا قبل أن أنصحك بالمزيد من التكوين و التدقيق فيما يتعلق بهذا المجال أنصحك بزيارة طبيب نفساني أولا لأن حقدك لا يبدو لي عاديا بل هو حقد مرضي.


الأربعاء، 21 يناير 2015

حين حوكم " البربري " أمام باب الجنة.


حين حوكم " البربري " أمام باب الجنة


                                                                                  بقلم: فريد المساوي

         في بداية الثلاثينات حين كان الحديث الأكثر تداولا في المغرب من قبل النخبة المثقفة هو المتعلق بموضوع ظهير 16 ماي 1930 حول تنظيم المحاكم العرفية في المناطق ذات العادات و التقاليد الأمازيغية و الذي أطلق عليه ( الظهير البربري )، و الذي نعلم أنه ليس للأمازيغ يد فيه و لا في صياغته حتى ينسب إليهم أولا، ثم رغم أن هذا الظهير لم يأت بجديد ذات أهمية بل جاء لإقرار أمور كانت في المغرب سارية مند القدم دون أن تثير تحفظ أحد، ثم نعلم كيف استغلت الحركة ( الوطنية ) هذا الظهير لتعلن عن نفسها و تخرج إلى العلن و كيف استغلت المشاعر الدينية بالخروج للتنديد بالظهير من أبواب المساجد مرددة أشعار اللطيف.
        في هذه الأثناء و ما بعدها، و مع ذيع صوت الحركة في المجتمع و انتشار الصحافة و امتلاك ( الوطنيين ) للكثير من المنابر صار موضوع الظهير المذكور و التنديد به رمزا للوطنية، لكن المشكلة الكبرى ليست في التنديد بالظهير بل في رد الفعل الذي اختارته الحركة على هذا الظهير الذي لم يكن لأحد من المغاربة الجرأة للدفاع عنه، فقد كان رد الفعل هو التنكر و الإقصاء التام لكل ما هو أمازيغي، و ساد خطاب تمجيد العرق العربي و ثقافته  و تقديسه و إعلاء شأنه، وفي المقابل فإذا ما تم الحديث عن ( البربري )، فإما أن يكون جزء من العنصر العربي و خادم أو تابع له و إلا فهو يخدم أهداف الظهير البربري و بالتالي لا وطني و كافر من أهل جهنم.
       من بين الكتابات التي قرأتها في هذا المجال، مقالة طريفة نشرت في مجلة المغرب عدد 15 بتاريخ دجنبر 1933 تحت عنوان ( أبحث عن بربري )، مقالة صاغها كاتبها في قالب استثنائي فهي عبارة عن حكاية حلم رآه الكاتب في المنام حيث رأى كأن القيامة قامت ووجد الكاتب نفسه هناك أمام باب الجنة في المهمة نفسها التي كان يشغلها من قبل أي كصحفي يريد تغطية الأحداث في أسرع وقت ممكن ليبعث بها إلى مدير المجلة السيد محمد الصالح ميسة الذي طالما اهتم بالقضية ( البربرية ) لأن ما رآه في القيامة له علاقة بالموضوع.
      رأى الكاتب في حلمه ( رضوان ) الذي لم يوضح من يكون بالضبط، و لكن يبدو أنه أحد الملائكة، رآه واقفا أمام باب الجنة " يسبح لله و يقدسه بصوت يملأ الفضاء عظمة و إجلالا "، و الناس يستأذنونه بالدخول فيسألهم من يكونون أولا و بعد ذلك يأذن لهم أو يرفض، حيث جاءه رجل قال له: أنا مسلم فقال له رضوان: إن الدين عند الله الإسلام تفضل، و جاءه ثاني قال: أنا نصراني فقال له: ادخل بسلام إن الله يحب الذين يحبون ابن مريم عليه السلام ، ثم جاءه ثالث و قال: أنا يهودي فقال له: أنت من أبناء موسى كليم الله تفضل، هنا تحدث الكاتب عن الصهيونية حيث قال ربما رضوان لم تصله الأخبار الأخيرة ليعلم أنه ليس كل اليهود يستحقون الجنة. و الغريب أن هذه الجنة التي رآها كاتبنا في حلمه فيها متسع للجميع إلا البربري، فحين أراد رضوان إغلاق الباب بينما رجل رابع أراد أن يهم بالدخول قال له: من أنت، فأجابه: أنا بربري، أجابه رضوان: " بربري... كلمة لا أعرفها و لا أجد فيها شيئا من لسان الجزيرة ، اذهب عني فالناس هنا لا يتكلمون إلا بالعربية و هي اللغة الرسمية بهاته الدار"، و بعد محاولات الرجل إقناعه بالإذن له بالدخول باعتباره أيضا من أبناء آدم، كتب رضوان كلمة "بربري" على ورقة بردي بقلم من ذهب و قال له: " انتظر هنا حتى أذهب إلى آدم و أسأله عن رهطك "، و بعد قليل عاد و قال للرجل: " إن آدم عليه السلام لا يعرف له نسلا يسمى بربر".
        و مع محاولات الرجل الدفاع عن نفسه، اجتمع حوله جمهور كبير عرف منهم الكاتب حماد الراوية و الشاعر الأندلسي خلف بن فرج السميرس، و الفرزدق و أبا العتاهية وعمرو بن أبي ربيعة وجماعة من مؤرخي العرب و النسابين كالطبري و الكلبي و المسعودي و البكري و غيرهم كثيرون. يبدو أن الشخصيات التي اختارها كاتبنا ليراها في حلمه المزعوم هي الشخصيات التاريخية التي عرفت بالتطرق لموضوع ( البربر ) أو كانت لهم مواقف منهم بطريقة أو بأخرى، أو من النسابين المعروفين بالإلمام بأنساب البشر و فروعهم، و كان الهدف من احتشادهم هو الإدلاء بشهاداتهم و ما بحوزتهم من أساطير الأولين حول رهط البربر و أصولهم فيما يشبه ( محاكمة )، فإن كانوا يرتبطون بالمشرق، حسب ما نستشفه من المقالة، فهم من أهل الجنة و بالتالي سيسمح للرجل بالدخول، و إن لم تكن لهم أية صلة بمن ( يملكون مفاتيح الجنة ) فلن يدخلها هذا البربري.     
      بدأ الشاعر الأندلسي السميرس بأبياته المعروفة التي يتصور فيها آدم يطلق حواء بسبب ما قيل بأن البربر ينتسبون إليه، حيث قال:
رأيت آدم في نومي فقلت لــه.................أبـــا البرية إن الناس قد حكمــوا
أن البرابر نسل منك قال إذن.................حواء طالق إن كان الذي زعموا
 فرد عليه صاحب كتاب " الجمان في أخبار الزمان ": لا لا إن البربر من أبناء آدم خلافا لما زعمت، و هم من بني حام و قد تنازعوا مع بني سام فانتصر بني سام عليهم و انهزم بنو حام إلى بلاد المغرب و تناسلوا فيه و اتصلت شعوبهم من أرض مصر إلى آخر المغرب و تخوم السودان و مع ذلك بقي عدد منهم في فلسطين حتى زمن داود... إلى أن يقول: حتى ضاقت منهم تلك البلاد و امتلأت بهم الجبال و الكهوف و الرمال و تدين كل منهم بما شاء من الأديان الفاسدة ... إلى أن جاء الإسلام فأسلموا أجمعين.. قاطعه الطبري: " إن البرابر أخلاط من كنعان و العماليق و غيرهم فلما قتل داود جالوت تفرقوا في البلدان "...
       هنا انضم البعض إلى رأي هذا و البعض الآخر إلى رأي ذاك، ووقع الخلاف و تعالت الأصوات... وفي هذه اللحظة كانت الزبانية مارة أمامهم تسوق جماعة من الناس إلى جهنم منهم ك... و ف... و غيرهم كثير مكبلين بالأغلال و على أكتافهم الصلبان، و لما سمعوا حوار تلك الجماعة بدأوا يصيحون بصوت واحد: " كذبتم كذبتم البربر إخوة الكول ( الغاليين ) جاءوا إلى إفريقيا من أوربا و هم أقرب إلينا صورة، و هنا أراد الكاتب أن يوضح أن البربري الذي يسلم بما قال به الأوربيون بأن الأمازيغ قد ترتبط سلالتهم بالأوربيين أو لا ينتمون إلى الأصول المشرقية هم الذين لا ينتسبون إلى آدم و لا يعرفهم و بالتالي هم لا يمكن أن يدخلون الجنة، و لكنه يطمئن القراء في الأخير بأن هؤلاء البربر غير موجودين، بل هم مجرد إنتاج الخيال الأوربي، بل إن البربري الموجود هو المقر بالانتساب إلى المشرق و بالتالي إلى العروبة، حسب منطق كاتبنا، و الراضي بإقبار هويته التي لا تعني شيئا و ليست ذات قيمة من أجل الذوبان في الوجود العربي الذي سيبدو كبيرا من الخليج إلى المحيط، و هذا البربري سيعترف به آدم و يقبل به الملك رضوان و سيدخل الجنة، حيث قال الكاتب في الأخير: " أعتقد أن البربري الذي لم أجده أنا في الآخرة التي هي دار الحق، لن تجدوه أنتم في هذه الدار".           
       وهذا ما حدث فعلا أمام باب الجنة في حلم كاتبنا المبارك " فخرج الناس لمقابلة البربري، و دوي الفضاء بالحمد و التسبيح، و قصفت المدافع، و علت زغردة الحور على الأسوار...". هذا النوع من الكتابات كانت تهدف بالأساس إلى خلق عقدة نقص لدى الشباب الذين ترعرعوا ليجدوا نفسهم في مناطق تتحدث بالأمازيغية، لتجعلهم ينظرون إلى هويتهم الثقافية على أساس أنها لا تعني شيئا إلا إذا جعلت تابعة للعربية ( لغة الجنة ) أو اعتبارها فرع مشوه منها، و الإقرار بالأصول المشرقية دون هوادة، ذلك أن المعروف أن مسألة أصول الأمازيغ ترد فيها ثلاث نظريات أساسية المشرقية و الأوربية و المحلية الشمال إفريقية، لكن هذه النظريات، خاصة الأوربية و المشرقية فيهما معا الكثير من المبالغة و التأويلات المغرضة، لاستغلالها سياسيا من طرف ذوي النزعات الاحتوائية، و كما نرى هنا فصاحبنا وصل إلى حد تصور جنة لا يمكن أن يلجها إلا من أقر بالارتباط به عرقيا و ثقافيا و حضاريا و بالتالي الاتفاق معه في مشروعه السياسي و الحضاري، نظرا لارتباط المشروع الفكري للحركة ( الوطنية ) المغربية بالفكر البعثي القومي العربي ارتباطا وثيقا، و ارتكاز نشاطها على أمور من بينها التعريب بشتى الوسائل، حتى لو اقتضى الأمر إعادة إنتاج أساطير قديمة أكل الدهر عليها و شرب و ربطها بالدين بطريقة في منتهى الخبث و الوقاحة.