الاثنين، 19 أكتوبر 2015

حوار بين محمد عبد الكريم الخطابي و عبد الخالق الطريس



حوار بين محمد عبد الكريم الخطابي و عبد الخالق الطريس


    بعد الاستقلال بسنة واحدة أي سنة 1957 كان عبد الخالق الطريس قد تم تعيينه للتو سفيرا للمغرب بمصر، فحدث أن دعاه يوما الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي للغذاء في منزل أخيه امحمد و بحضور الأستاذ التهامي الوزاني الذي كان في رحلة إلى الحج مارا بمصر أثناء العودة، و قد دون رحلته تلك التي استغرقت ثلاثة أشهر و التي عنونها ب (الرحلة الخاطفة) و فيها دون الحوار الذي دار بين محمد بن عبد الكريم الخطابي و السفير عبد الخالق الطريس، و الحوار كان حول الأوضاع العامة في المغرب و كذلك حول دعوة الطريس للخطابي للعودة إلى المغرب، الحوار حسب التهامي الوزاني تقابل فيه أسلوب رجل سياسي حنكه الجدل و الأخذ و الرد، و أسلوب المناضل المستميت الذي لا يزحزحه الخذلان، مزاج الدبلوماسي الذي يقلب الأمور و ينظر إليها من أبعاد و زوايا شتى في نفس الوقت، و مزاج المحارب غير المستعد لإهدار طاقاته في تأويلات يعتبرها ملتوية و مبددة لكل وضوح... الحوار أعاد نشره و التقديم له الأستاذ إبراهيم الخطيب في العدد السابع من مجلة على الأقل التي كان يديرها محمد معروف و يترأس تحريرها عبد القادر الشاوي و ذلك سنة 1992، فبعد تعريف بحيثيات اللقاء و ظروف التدوين أورد إبراهيم الخطيب نص الحوار كما دونه التهامي الوزاني و الذي بدأه بقراءة حول بطولات و أمجاد الحرب الريفية و قيادة الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي المتميزة، و مما قاله عن الخطابي أنه ينطبق عنه قول الرسول (علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل) لأنه حارب المستعمر بالعلم، كما قال أن لابن عبد الكريم شيعته، و له خصوم أيضا، و يبقى هو هو البطل سواء عند الأنصار أو الخصوم.
       ابتدأ النقاش بين الأمير و الطريس حول الأوضاع الاجتماعية في المغرب كمشي النساء سافرات في المدن و التحولات في الأخلاق العامة حيث حاول الطريس إقناع ابن عبد الكريم أن المرأة في هذا المجال لا ينبغي أن تحس بسيطرة الرجل الكاملة عليها، و تعتبر ذلك وجها من وجوه الاستعباد، و أنه ليست قضية سفور المرأة في المجتمع الإسلامي بالطامة الكبرى، و بعد الحديث عن المرأة و الآداب العامة في المجتمع انتقل الأمير إلى الموضوع الأهم و الأساسي و هو الأوضاع السياسية في المغرب في تلك الفترة الدقيقة التي أعقبت الاستقلال الشكلي للمغرب، حيث قال إن المغرب لا يمكن أن يعتبر مستقلا إلا إذا انسحب عنه الجيش الفرنسي بالكامل، و لم يبق بالإدارة المغربية أجنبي، فما دام الجيش الفرنسي بالبلاد، و المدراء الفرنسيون يقومون بالوظائف الحيوية فالاستقلال صوري يوهم المغاربة فقط أنهم مستقلون، إنه مخدر ناولته فرنسا للمغاربة لتتفرغ لمحاربة الجزائريين، و لا زالت فرنسا تعتبر الجزائر جزء من التراب الفرنسي، في حين أن المغرب و الجزائر و تونس وطنهم واحد و قضيتهم واحدة، و هاهي فرنسا تدعو إلى إقامة مشاريع دولية بالصحراء في الجزء الذي تحت سيطرتها دون تشاور مع المغاربة، و تأذن للولايات المتحدة بإقامة مطاراتها بالمغرب دون أن تشعرهم أيضا، و قال إن الاستقلال الذي عرفه المغرب شكليا فقط و على المغاربة أن يجابهوا الحقيقة المرة و يعلموا أن بينهم و بين الاستقلال الحقيقي بحار من الدماء و الدموع. و قال عن الثورة المغربية التي كان من مؤسسيها أنها جاشت على صدور المغاربة، حتى أذا أوتيت أولى ثمارها تولى أمرها خريجي المدارس الفرنسية فأول ما فعلوه أنهم حموا فرنسا و راحوا يشيدون بمجدها و عظمتها، أما عن القادة السياسيين المغاربة فقد قال الأمير ابن عبد الكريم أنهم يفتقرون إلى الشجاعة الكافية لقيادة الشعب المغربي الثائر، و أحزابهم أصيبت بالتعفن، و أصبح المغرب في حاجة إلى قادة من نوع آخر، قادة من الشعب و يحملون نفس الروح التي يحملها الشعب...
       أما رد السفير عبد الخالق الطريس على هذه المواقف فكان يرتكز على أن الاستعمار في المغرب يختلف جدا عن نظيره في المشرق، فاستعمار فرنسا من بريطانيا، لأن فرنسيي المستعمرات ليسوا فرنسيين حقيقيين بل هم مجنسين فقط من إسبان حمر و إيطاليين منبوذين و أفارقة و غيرهم، و تهدف بهم إلى الإبادة التدريجية لشعوب شمال إفريقيا... ليصل إلى موقف مفاده أن المجتمع الدولي حال بين فرنسا و سياسة الإبادة التي تنهجها، فقوتنا أن نعول على الرأي العام الدولي دون أن نعتمد عليه كثيرا، أما إذا حاربناها فإن الرأي العام الدولي سيكون معها حتى و إن كنا على حق، و عزز الطريس موقفه بأن الاستقلال بمجرد أن أعلن عنه انسحبت المراقبات الأهلية من البوادي و القبائل و بدأ يندثر الحكم المباشر، و أضاف الطريس في موقف المدافع عن الاعتماد على الرأي العام الدولي أكثر من الثورة الشعبية أنه " للأسف لدينا في المغرب رجال منافقين لا يمجون عن أن يكونوا ضد المغرب إذا ما وجدوا المساعدة الأجنبية".. كذلك بالنسبة للجزائر التي بها مليون متجنس بالجنسية الفرنسية، فالأمم تنتظر من الجزائريين أولا أن يحققوا انتصارا عسكريا ليثبتوا وجودهم و حيويتهم، و سيكون هناك تعاطف دولي مع الجزائر، و لكن هذا الرأي العام لن يتخلى عن المليون فرنسي ما عدا إذا اتخذت الجزائر موقفا شبيها بالموقف المغربي، أي موقف لا يكون معاديا لفكرة الصداقة مع فرنسا، و المغرب يمكن أن يساعد الجزائر في كل شيء إلا في المجال الحربي.

        بعد هذا الموضوع انتقل الطريس إلى الحديث عن بناء المغرب الجديد، المغرب المستقل، حيث احتوى حديثه على دعوة الأمير إلى العودة للمساهمة في البناء و الإصلاح، أو لنقل مسيرة العمل التي سيساهم فيها ـ حسب الطريس ـ الملك محمد الخامس، و حزب الاستقلال بعد تنقيته من الانتهازيين و المقنعين بالوطنية و محمد بن عبد الكريم، قال الطريس " وجودكم بالمغرب أصبح اليوم ضروريا و مفيدا"، و كان رد الأمير أنه بوده لو يعود لوطنه و مسقط رأسه و لكنه وعد ضميره أن لا يعود إلى المغرب إلا بعد أن يستقل، و لكن يبدو أن الطريس بحنكته و دبلوماسيته استطاع أن يؤثر عليه تأثيرا عميقا، قال له: نحن المغاربة المناضلين لا نرضى أن تبقوا في نفس الوضعية التي كنتم عليها قبل الاحتلال من حرمانكم من دياركم و أحوالكم و مراتع طفولتكم ... هنا بدأ حديث الطريس يتغير تدريجيا من العام إلى الخاص، من المغرب إلى الريف بل إلى بني ورياغل " فإن بني ورياغل مشتاقة إليكم مثل ما أنتم مشتاقون إليها"، فاغرورقت عيني الأمير بالدموع و قال له بصوت خافت: أرجو أن يكون لسعادتكم الفضل في رجوعي و أخي إلى الوطن الحبيب، و مما تطرق إليه الأمير أثناء الحديث أنه كان مريضا و في حمية، أي لا يأكل إلا بإرشاد الطبيب " كل ما أستطيع أكله قطعة من فرخة فتية مطبوخة بالماء و القليل من الملح". هنا طلب الطريس الإذن بالانصراف لقرب موعد حضوره لأحد المؤتمرات و دعى الأمير ليزوره في بيته لاحقا ووافق الأمير و حدد معه الموعد. و أما الأستاذ التهامي الوزاني فيبدو أنه خلال الحوار كان يكتفي بالاستماع و التركيز فحتى كتابته للحوار الذي ضمنه في تدوينة رحلته فإنه لم يبدأها إلا في يفرن بليبيا في طريق عودته.